انفراجة جديدة شهدها ملف الرئاسة اللبنانية مؤخرًا، قد تؤدي إلى اختيار رئيس لقصر بعبدا خلال الأيام القليلة المقبلة، بعدما ظل المنصب شاغرًا لنحو عامين. فبعد انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال سليمان، وفي الوقت الذي لم تفلح فيه جلسات الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في التوصل إلى مرشح يتم التوافق عليه لتولي منصب رئيس الجمهورية، فضلًا عن فشل مجلس النواب اللبناني في جلساته المتعددة في انتخاب رئيس جديد؛ بسبب عدم اكتمال نصابه القانوني، تظهر في الأفق ملامح ومؤشرات جديدة داخلية قد تنهي الشغور الرئاسي. وملف الرئاسة اللبنانية مرهون باستقرار وتوافق الوضعين الداخلي والإقليمي، فالبنسبة للوضع الإقليمي الخارجي لم يشهد هذا الأمر تطورًا، لاسيما مع استمرار التوتر السعودي الإيراني الأخير في أعقاب إعدام الرياض للشيخ نمر باقر النمر، واقتحام السفارة السعودية بطهران، الأمر الذي عزز بقاء الوضع الإقليمي خارج سياق التسوية اللبنانية في المرحلة المقبلة. المشهد الداخلي غلب عليه طابع التغيير وتبديل المواقف التي قد تحسم الوضع، وأكثر المواقف تغيرًا في الفترة الأخيرة كانت داخل قيادات تحالف 14 آذار، الذي يضم القوات اللبنانية وتيار المستقبل، فالمبادرة التي جاء بها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري «القريب من السعودية» بدعم زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، صديق حزب الله وحليف بشار الأسد وداخل تحالف 8 آذار ليكون رئيسًا للبنان، أدت إلى حدوث شرخ كبير في التحالف، كما أن موقف الحريري وتنازله عن مرشحه الأول سمير جعجع أغضب الأخير، وخرج ليعن صراحة عن أن 14 آذار ليست ملتزمة بما أعلنه الحريري. أظهرت هذه الخلافات العاصفة في التحالف مدى تقلب خريطة التحالفات في لبنان، فخطوة جعجع ومواقف الحريري الأخيرة بخلاف عواقبها الوخيمة على 14 آذار، تقرب الملف الرئاسي من الحسم بصورة أو بأخرى، حيث سيتصدر المشهد مرشحان لا ثالث لهما، سليمان فرنجية وميشال عون، والاثنان من 8 آذار، لتنعكس تطورات المشهد السياسي بشكل إيجابي على التحالف الأخير، الذي يضم «حزب الله والتيار الوطني الحر وحزب المردة»، مما يؤكد ثقل كفة 8 آذار نسبيًّا في ميزان المعادلات السياسية بالمشهد اللبناني. هذه التطورات والتحولات تطرح الكثير من التساؤلات حول الشخص الأكثر حظًّا للوصول إلى قصر بعبدا في المرحلة المقبلة، خاصة مع قرب انعقاد جلسة جديدة للنواب لانتخاب رئيس الجمهورية في 8 فبراير المقبل، الأمر الذي يتطلب معرفة مواقف الأحزاب السياسية كافة في لبنان من المرشحين، فبخلاف ترشيح جعجع لعون، أكد حزب الله اللبناني عبر أمينه العام نصر الله في خطابه الأخير التمسك بترشيح العماد ميشال عون، والسعي معه للفوز برئاسة الجمهورية، ولا تراجع عن هذا الأمر إلَّا في حالة واحدة، وهي أن يعلن عون انسحابه من السباق الرئاسي. وفيما يخص مواقف الأحزاب من المرشحين، فبخلاف سعد الحريري الذي يدعم سليمان فرنجية، يأتي رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي يتبنى موقفًا آخر من دعم ميشال عون، وردًّا على جعجع الذي كان له تصريح بأن الكرة في ملعب حزب الله، وأن الحزب قادر على إلزام حلفائه بالنزول إلى المجلس النيابي والتصويت للعماد ميشال عون، طرح نبيه بري سؤالًا: هل تريد من حزب الله أن يضع صاروخًا في رأسنا لننتخب عون، لماذا ينسحب فرنجية ما دام ترشيحه هو الأقوى حتى الآن؟ كان لوليد جنبلاط، زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي، موقف محايد، فرغم أنه كان يؤيد طرح الحريري في البداية بترشيح سليمان فرنجية للرئاسة، إلَّا أنه عندما تيقن بأن هذا الطرح صعب التوافق عليه من جميع الأطراف، عاد خطوة إلى الخلف، وأكد أنه يقف على الحياد من المرشحين بإعادة طرح مرشحه هنري حلو، ففي ذلك رسالة تؤكد أنه على مسافة واحدة من الجميع في الاستحقاق الرئاسي.