لاتزال تداعيات دخول الاتفاق النووي ورفع الحظر والعقوبات التي كانت مفروضة من قبل الدول الأوروبية والغربية تلقي بظلالها على الساحة الإيرانية، ليس فقط سياسيًا واقتصاديًا، بل عسكريًا أيضًا، ففي الوقت الذي تنشط فيه الدبلوماسية الإيرانية ويتبادل مسؤولوها الزيارات مع بعض الدول الأوروبية والغربية لعقد صفقات واتفاقيات بالمليارات بهدف تنشيط الساحة الاقتصادية والتجارية، يأتي النشاط العسكري الذي اتضح في إجراء مناورات بحرية بالمياه الجنوبية للجمهورية الإيرانية، ليترجم رسالة إيرانية للعالم أجمع وبالأخص للدول المعادية لطهران، مفادها أن الأخيرة تستطيع أن تتحكم في واحد من أهم الممرات المائية والملاحية بالعالم. «الولاية 94».. التكتيك والانطلاق انطلقت المرحلة الرئيسية لمناورات «الولاية 94»، صباح أمس الأربعاء، في سواحل مكران شرق إيران ومياه شمال المحيط الهندي، فبدأت بقيادة المنطقة البحرية الثالثة «نبوت»، وأعلن قائد القوة البحرية الإيرانية، الأدميرال حبيب الله سياري، عن بدء المناورات من على متن المدمرة «جماران»، التي تم تدشينها في فبراير عام 2009. تشارك في المناورات مختلف الأسلحة والإمكانيات الدفاعية البحرية، وتستخدم مختلف أنواع الغواصات والمدمرات والأساطيل والبارجات القاذفة للصواريخ والأساطيل الإسنادية وزوارق هجومية سريعة، إضافة إلى قوات الكوماندوس ووحدات الحروب الإلكترونية والاستخباراتية ووحدات صحية إلى جانب وحدات الطيران. تجري «الولاية 94» على أربعة مراحل، هي الانتشار، والتكتيكات، وإطلاق الصواريخ والطوربيدات، واستعراض القدرات، وتمتد منطقة المناورات من شرق مضيق هرمز إلى المدار 10 درجات شمال المحيط الهندي، وبمساحة 3 مليون كيلومتر مربع، وتشمل شرق مضيق هرمز وبحر عُمان والمياه الحرّة الواقعة في خليج عدن وشمال المحيط الهندي، ومن المقرر أن تستمر لمدة 5 أيام. تحاكي المناورات الإيرانية اعتراض هجوم بحري لعدو افتراضي واحتوائه ومنعه من تنفيذ مهماته القتالية باتجاه الشواطى الإيرانية، ومن ضمن برنامج المناورات، مواجهة عمليات تسلل العدو لسواحل البلاد والتصدي للهجمات البحرية من قبل الوحدات القتالية ومشاة القوة البحرية التابعة للجيش، كما تعتمد المناورة على تكتيكات تستند إلى السرعة والمباغته والضرب من بعيد، وتستخدم الزوارق السريعة الصغيرة التي تمثل قلقًا كبيرًا للقطع البحرية الأجنبية، وخصوصًا الأمريكية منها. ترهيب أم تدريب؟ اختلف المراقبون حول الهدف المقصود من وراء إجراء المناورات الإيرانية في هذا التوقيت، الذي يشهد تصاعد الخلاف بين طهران والرياض، وهو ما تعمل المملكة السعودية على الحشد له سياسيًا وعسكريًا، كما يأتي بعد فترة وجيزة على احتجاز الحرس الثوري عشرة بحارة أمريكيين شمال الخليج، والإفراج عنهم بعد التأكد من دخولهم عن طريق الخطأ. يرى بعض مراقبون أن الهدف من إجراء المناورات، استعراض قدرات البحرية الإيرانية في مواجهة التهديدات الأجنبية، والتأكيد على قدرة طهران على إغلاق مضيق هرمز أمام حركة الملاحة البحرية، فيما يرى آخرون أنها مجرد تدريبات لتنشيط الوحدات المتواجدة في المياه الجنوبية للبلاد، خاصة أنها ستتضاعف مهاماتها خلال الفترة المقبلة مع نشاط الحركة التجارية والنفطية بين إيران ودول العالم بعد رفع الحظر عنها، ما يجعلها بحاجة إلى التأمين والحماية من عمليات القرصنة. وقال قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني، إن الهدف من المناورات، التكاتف لحفظ أمن واستقرار المنطقة من دون الحاجة للقوات الأجنبية، مؤكدا أن منطقة شمال المحيط الهندي مهمة لإيران وکل العالم، خصوصًا أنه يتم من خلالها حمل إمدادات الطاقة من منطقة شمال الخليج العربي إلي المحيط الهندي وکل مناطق العالم، لافتا إلى أهمية المنطقة من الناحية الاقتصادية والتجارية لكل دول العالم وإيران، فتمر فيها كل الخطوط التجارية المرتبطة بجنوب شرق آسيا باتجاه الغرب وبالعكس. مناوشات إيرانية أمريكية ورغم إبرام الاتفاق النووي ودخوله حيز التنفيذ بين إيرانوالولاياتالمتحدة، إلا أن أعمال الشغب بينها لم تنته، فقد استمرت التصريحات الأمريكية المعادية لطهران، وقابلتها الأخيرة بتصريحات وانتقادات لاذعه في مختلف الملفات، ولم يتوقف عند الأمور السياسية فقط، بل امتدت إلى مناوشات بحرية. وأكدت مصادر عسكرية أن القوات الإيرانية أجبرت بارجة ومقاتلة حربيتين أمريكيتين على مغادرة منطقة المناورات الإيرانية، بعد أن وجهت القوات البحرية في الجيش الإيراني سلسلة إنذارات لقطع بحرية وجوية أمريكية وللتحالف الدولي في الخليج العربي. وكانت إيران وجهت نداء لجميع السفن التجارية والعسكرية وإخطارها بضرورة التنبه وعدم الاقتراب من منطقة المناورات، حفاظا على سلامتها، خاصة أن القوات العسكرية تستخدم الذخيرة الحية من طوربيدات وصواريخ مضادة للسفن من طراز بر- بحر، وبحر- بحر، ما التزمت به كل السفن، فيما خرقته بعض القطع الحربية الأمريكية التي اقتربت من مكان المناورات، فجرى إخطار المدمرة «يو اس اس مونتري» التي تحمل الرقم «CG61» مرتين، بداية عبر طائرة استطلاع بحري، ومن ثم بواسطة المدمرة «البرز»، وطلب منها مغادرة منطقة المناورة، فما كان من المدمرة الأمريكية التي يبلغ طولها 173م وعرضها 16,8م، إلا المغادرة والابتعاد عن مكان العمليات. البحرية الأمريكية سارعت إلى نفي الرواية الإيرانية، فقال الناطق باسم الأسطول الخامس، كفين ستيفنز، إن الولاياتالمتحدة على علم بالمناورة الإيرانية، ولم تغير عمليات البحرية الأمريكية بأي حال من الأحوال، مضيفا أن إيران أعلنت عن خطط لغلق مناطق معينة من أجل المناورة في الخليج العربي، لكنه أكد أن هذا تقليد شائع لأي قوات بحرية تجري مثل هذه المناورات في البحر، موضحًا أن قوات البحرية الأمريكية أعلنت بشكل مشابه عن غلق مناطق في الخليج العربي من أجل الفعاليات التدريبية، مشيرًا إلى أن الأسطول الخامس لا يعتبر أن هذه الإعلانات أوامر، لافتًا إلى أن المناورة ربما تزيد فرص الاحتكاك بين القوات الأمريكية والبوارج الإيرانية. ومن جانبه، قال قائد القوات البحرية الإيرانية، إن بارجة أمريكية تلقت إنذارين قبل مغادرتها المنطقة، مضيفًا: «أعداء إيران لا يصدقون القدرات التي وصلت إليها قواتها العسكرية، لذا يحاولون من خلال إرسال البارجات والطائرات معرفة تكتياتها وأهدافها وأسلوبها».