مظاهرات تتوسع لتشمل عدة مدن، أعداد المشاركين فيها تتزايد، قتلى ومصابون من المتظاهرين والشرطة، حظر تجوال وإغلاق شوارع، مطالب تتصاعد، كل هذه المعطيات جعلت مشاهد ثورة الياسمين تعود إلى أذهان كبار المسؤولين بالبلاد وفي مقدمتهم الرئيس الباجي قايد السبسي، وهو ما دفعهم إلى محاولة بذل قصارى جهدهم لتجنب خروج الأمور عن السيطرة، وعدم تطورها إلى ثورة تونسية جديدة. اتساع نطاق المظاهرات اتسع نطاق المظاهرات في تونس، خاصة بعد أن أطلقت بعض التيارات والحركات الثورية دعوات متكررة للتظاهر، وعلى رأسها التيار الشعبي واتحاد العاطلين عن العمل، فبعد أن اقتصرت المظاهرات على محافظة القصرين، امتد الغضب الشعبي التونسي ليشمل عدة محافظات ومدن تونسية. في منطقة الصخيرة من محافظة صفاقس أغلقت مجموعات من الشبان التونسيين المحتجين الطرق الرئيسة، كما أحرقوا الإطارات المطاطية، وفي ولاية باجة أقدم شاب على طعن نفسه أمام مقر المحافظة، فيما اقتحم محتجون مقر المحافظة في القيروان وجندوبة، رافعين شعار "ارحل" للمحافظ. شهدت مدينة سليانة أيضًا تحركًا احتجاجيًّا قادته جمعية العاطلين عن العمل، في اتجاه مقر المحافظة، حيث تم رفع شعارات "شغل حرية كرامة وطنية" للمطالبة بالتشغيل، وتجمع المحتجون أمام مقر المحافظة وبدءوا بإحراق العجلات المطاطية، مطالبين بخروج المحافظ والتحدث إليهم. وفي شارع الحبيب بورقيبة في العاصمة تونس تحرك بعض المتظاهرين أيضًا مطالبين بتشغيل العاطلين عن العمل ومنددين بالسياسات الفاشلة التي تتبعها الحكومة. وشهد مقر محافظة سيدي بوزيد وعدد من الشوارع المتفرعة منه حالة من الاحتقان والفوضى، حيث قام عدد من المحتجين بإغلاق الشوارع بالحجارة وإحراق الإطارات المطاطية، كما عمدوا إلى رشق قوات الأمن بالحجارة، فيما ردت قوات الأمن باستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين، ومنعهم من اقتحام مقر الولاية، كما اقتحم محتجون مقر محافظة المهدية جنوبتونس، وردت قوات الأمن بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع. وفي سوسة شهد مقر المحافظة حالة من الاحتجاجات على خلفية مطالب اجتماعية، كذلك عمت حالة من الاحتقان مدينة الفحص في محافظة زغوان، ومنطقة بلخير في ولاية قفصة، حيث أغلق المحتجون الطريق بين قفصة وقابس. الحكومة تسابق الزمن اتساع نطاق المظاهرات وانتشارها في عدة مدن، وتزايد المواجهات بين المتظاهرين والشرطة، إضافة إلى دخول تنظيم داعش على خط الأزمة، وهو ما ظهر خلال تداول فيديو يظهر فيه مقاتلون في صفوف التنظيم الإرهابي في سوريا والعراق، وهم يحرضون الشعب التونسي على تغيير منحى الاحتجاجات نحو العنف والفوضى، والالتحاق بالتنظيم وتنفيذ عمليات تستهدف تونس، كل ذلك دفع الحكومة التونسية ورئيس الجمهورية إلى بذل قصارى الجهد لتجنب دخول البلاد في دوامة عنف يندس خلالها الإرهاب مخلفًا كوارث ونتائج لا تحمد عقباها. اتجهت الحكومة التونسية إلى اتخاذ بعض الإجراءات المتلاحقة لتهدئة الأوضاع التي تزداد اشتعالًا يومًا بعد الآخر، حيث اجتمع عدد من أعضاء الحكومة التونسية ونواب ولاية القصرين الثمانية بمجلس نواب الشعب فى قصر الحكومة لمناقشة الأوضاع فى ولاية القصرين، وعدد من مناطق الجمهورية، وتم خلال الاجتماع إقرار عدة إجراءات للتوصل إلى حلول سريعة لمطالب المواطنين فى تلك المحافظة وجميع المناطق ذات الواقع المشابه، وكان أولها استيعاب 5000 عاطل عن العمل ضمن الآليات المعتمدة فى برامج التشغيل، وتسوية أوضاع 1410 من المعينين، وأن تكفل وزارة التدريب المهنى والتشغيل 500 مشروع صغير ممول من البنك الوطنى للتضامن بتكلفة إجمالية تصل إلى 6 ملايين دينار، مع تعهدها بتبسيط الإجراءات الإدارية، وتذليل كافة العقبات. وفيما يتصل بمكافحة الفساد أعلن وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد في تونس، كمال العيادي، عن استحداث لجنة وطنية للتقصي في شبهات الفساد في مناظرات الانتداب للعمل، وأكد العيادي أن اللجنة تمّ استحداثها أمس الخميس، وهي تتكون من ممثلين عن الجهات، وتعمل على مستوى وطني، وأضاف أن اللجنة ستنطلق في عملها الفعلي يوم الاثنين المقبل، مؤكدًا أن الانطلاقة ستكون من محافظة القصرين لتشمل كل المحافظات الأخرى، وأشار الوزير إلى أنه لن يتم التساهل مع أي مسؤول يثبت تورطه في ملفات فساد. من جانبه حاول الرئيس التونسى "الباجى قائد السبسى" تجنب أخطاء رؤساء الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا، والذين كانوا دائمًا لا يعترفون بحق المتظاهرين في التعبير عن احتجاجاتهم، بل دأبوا على إنكار حدوث احتجاجات شعبية من الأساس، معتبرين المتظاهرين مخربين أو قلة مندسة، فقد خرج السبسي ليعلن أن التظاهرات التى اندلعت فى أنحاء البلاد مشروعة، وأن الحكومة الحالية تواجه تحدي توفير وظائف لآلاف العاطلين عن العمل، وأضاف أن الحكومة الحالية ورثت 700 ألف عاطل عن العمل، بينهم 250 ألف حامل لشهادات عليا، بعض المناطق فقيرة وبعضها مهمش، وهناك تحديات على تونس مواجهتها وليس باستطاعة لا تونس ولا أوروبا ولا الولاياتالمتحدةالأمريكية مواجهة مثل هذه الأوضاع بالتصريحات، بل يجب إعطاء المزيد من الوقت. رئيس الوزراء التونسي، الحبيب الصيد، اختصر جولته الأوروبية للعودة سريعًا إلى بلاده، حيث كان من المقرر أن ينتقل أمس الخميس من سويسرا، حيث شارك في منتدى دافوس الاقتصادي، إلى فرنسا لإجراء مباحثات مع مسؤولين فرنسيين، لكن رئاسة الوزراء قالت أمس الخميس، إن الصيد قرر اختصار زيارته إلى الخارج والعودة إلى تونس، حيث سيرأس غدًا السبت اجتماعًا استثنائيًّا لمجلس الوزراء، وسيعقد مؤتمرًا صحفيًّا عقب الاجتماع. على صعيد متصل تحاول وزارة الداخلية التونسية لملمة الأوضاع قبل أن تخرج عن سيطرتها، بعد أن انتشرت في عدة مدن، وأدت إلى مقتل وإصابة عدة أشخاص، حيث أعلنت الوزارة اليوم الجمعة حظر التجوال في الجمهورية التونسية بالكامل، وذلك من الساعة الثامنة مساءً حتى الساعة الخامسة صباحًا، وأوضحت الوزارة أن أي مخالفة للقرار يتعرض مرتكبها إلى التبعات القانونية اللازمة، فيما عدا الحالات الصحية المستعجلة وأصحاب العمل الليلي، وطالبت الوزارة مواطنيها بالالتزام بمقتضيات حظر التجوال.