تتزايد التخمينات بأن الحاكم المقبل للمملكة العربية السعودية الذي سيخلف الملك سلمان لن يكون ابن أخيه وولي العهد الأمير محمد بن نايف، بل نجل الملك وولي ولي عهده الأمير محمد بن سلمان (30 عام) ومن الصعب توقع كيف سيكون انتقال الحكم هذا، ولكن ولي العهد بن نايف، الذي كان في السابق من المفضلين لدى الولاياتالمتحدة، يتعرض لتهميش متزايد سواء في السعودية أو خارجها وبشكل واسع، وبخلاف بن نايف المعروف بقائد مكافحة الإرهاب المطيع العنيد ذو ال56 عاماً، من المرجح أن من سيخلف الملك سلمان عند وفاته أو تنحيه، هو نجله محمد ذو اللحية والذي يرتدي الصندل ويجمع في هيئته ملامح وطول ملك الصحراء الهوليودي. ولكن هل يُعتبر بن سلمان مناسباً لتولي الحكم عند مواقف مثل التلامز الدبلوماسي بين آل سعود وإيران، والتصدي لخطاب "الدولة الإسلامية"، ومقاتلة المتمردين في اليمن المجاورة، وفي الوقت نفسه التعامل مع سعر النفط الأكثر انخفاضاً عبر التاريخ؟ يثار الجدل حالياً حول هذا السؤال في كبرى عواصم العالم وداخل أروقة القصور في السعودية. مفردات المناقشة من المعروف داخل السعودية بأن كل من بن نايف وبن سلمان يطلق عليهم "المحمدين". وأشتهر عن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، آية الله علي خامنئي إشارته العام الماضي بوضوح ولكن بشكل غير مباشر إلى بن سلمان، الذي يتولى في آن واحد منصب وزير الدفاع ورئيس هيئة صنع القرار الرئيسية الاقتصادية والنفطية في السعودية، ك"غُر عديم الخبرة" وصفات أخرى أقل توقيراً مثل "المراهق". ولكن سياقاً مهماً يتضمن كلمة يتم تجنبها بشكل متزايد في المملكة والعالم على نطاق أوسع وهي الخَرف، بالإشارة إلى الصحة العقلية للملك سلمان. ويفسر هذا الوضع الصحي بشكل شبه مؤكد، بالإضافة إلى المحبة التي يكنها الملك لنجله، لماذا استطاع بن سلمان اكتساب قوة وسلطة كبيرتين. وفي المقابل، يتم الإفصاح عن حقيقة الوضع الصحي للملك في تعليقات جانبية صغرى، على غرار تعليق أدلى به مسئول أميركي في سبتمبر الماضي ومفاده أنه سيُعقد اجتماع في البيت الأبيض بين الملك سلمان والرئيس أوباما و"سيتم تدوين محتواه بدقة". وعلى المستوى الصحفي، تميل المقالات نحو الحذر، كما هو الحال في السيرة التي قدمتها مجلة "نيويوركر" في 21 ديسمبر 2015 عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والتي كشفت عن أن الملك سلمان يقرأ تصريحاته على جهاز "آي پاد". وبالمثل، أشارت مقالة نشرتها صحيفة "فاينانشال تايمز" في نوفمبر 2015 إلى هيكل السلطة النظري القائم على الملك وولي العهد وولي ولي العهد كما يظهر في عروض الشوارع الكبرى، موضحة: "ولكن إذا ما سألت أي سعودي عن مكان تركز السلطة اليوم، لقال لك إنها بيد الأمير الشاب". السيرة الأميرية في حين تنحصر مؤهلات بن نايف العلمية بارتياده كلية الفنون الحرة في ولاية أوريجون الأمريكية ولكن من دون حصوله على شهادة منها، تعلم بن سلمان في جامعة الملك سعود في الرياض، وحصل منها على شهادة بكالوريوس في القانون. ولكن بخلاف معظم الأمراء السعوديين البارزين، لا يتكلم الأمير محمد بن سلمان اللغة الإنكليزية بطلاقة، إذ أنه استعان بمترجم في خلال مقابلته مع مجلة "ذي إيكونوميست". وبعد إكمال دراساته الجامعية، تشير سيرته الإلكترونية إلى أنه عمل لفترة في القطاع الخاص، مما يعني في حالته على الأرجح أنه قد استفاد من معارفه الملكية لتكوين ثروة شخصية. وقد أمضى الأمير محمد بن سلمان سنوات بالقرب من والده الملك سلمان عندما كان حاكم الرياض، كما لعب دور الموفِق بين أفراد العائلة المالكة، والمنفِذ عند الحاجة، مما أكسبه ثقة كبيرة بذاته وجعله يتخطى إعاقة محتمله عبارة عن تشنج لا إرادي في عضلات الوجه. وكونه الابن الأول لسلمان من زوجته الثالثة والمفضلة على الأرجح، التي تعلق على ما يبدو آمالاً كبرى على نجلها بن سلمان، فقد ساعده ذلك أيضاً على التصدر. المنافسين من آل سعود عندما كان والده وزير دفاع بين العامين 2011 و2015، اشتُهر الأمير محمد بن سلمان بإقالته نواب الوزراء. وفي الفترة الممتدة من إبريل 2013 حتى يونيو 2014، شغل أربعة أمراء مختلفين هذا المنصب، الذي بقي شاغراً منذ ذلك الحين، مما يفسر افتقار بن سلمان على ما يبدو لقاعدة دعم واضحة ضمن الأسرة الملكية، وحتى ضمن إخوانه وأشقائه، باستثناء الدعم الذي يقدمه له والداه. وقد تمت ترقية أحد أشقائه وهو الأمير عبد العزيز بن سلمان إلى منصب نائب وزير النفط إلا أنه يكبر الأمير محمد بن سلمان بخمس وعشرين عاماً. وبعد أن أمضى الأمير عبد العزيز بن سلمان وقتاً مطولاً جداً في بيروقراطية النفط، فهو يعتبر على الأرجح أن العمل لصالح شقيقه الأصغر بكثير أمر محبِط. ولا يصعب تكهن هوية بعض الشخصيات المعارضة للأمير محمد بن سلمان. والجدير بالذكر أنه في اجتماعات "مجلس الشؤون السياسية والأمنية" الأساسي، الذي يترأسه بن نايف، يجلس الأمير محمد بن سلمان جانباً، بينما يظهر في أغلب الأحيان الأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، الذي أفل نجمه منذ وفاة والده الملك عبدالله، في الصور وهو يمزح مع بن نايف. ويقال أن مجموعة من الأمراء النافذين – وقتها وليس حالياً – تؤيد تسلم الأمير أحمد، أخ الملك سلمان، الحكم، علماً أنه كان وزير داخلية لمرة واحدة. ويقال إن الأسرة الحاكمة تريد إعادة الخلافة إلى النظام التقليدي الذي يسلم فيه أخ الحكم لأخيه، بدلاً من إتباع نظام الخلافة من الأب إلى ابنه كإجراء روتيني. إن الدعم الذي يتمتع به الأمير أحمد ضمن العائلة المالكة والرغبة بمنع بن سلمان من تسلم العرش قد يكونان كافيين لتخلي بن نايف، الذي ليس لديه أبناء، عن إرثه الحالي المفترض. وهناك افتراض بأن بن سلمان سيدفع الملك سلمان إلى مناهضة هذه الخطة عاجلاً وليس آجلاً، خشية أن تكون أولى خطوات بن نايف، في حال توليه العرش، اختيار ولي عهد جديد بدلاً من بن سلمان. وفي ما يتعلق بالملك، يمكنه أن يتخلى عن منصب رئيس الوزراء ويسلمه بن سلمان، وهي مناورة تجعله أعلى إدارياً من بن نايف، الذي يشغل منصب نائب رئيس الوزراء. وفي الواقع، أصبحت معاملة بن نايف باستخفاف من قِبل بن سلمان أحد صفات الأخير المشهورة في الآونة الأخيرة. وكما تشير مجلة "ذي إيكونوميست": "في خلال ساعات الحوار الخمس، ذُكر الملك سلمان مرة؛ أما نسيبه ولي العهد بن نايف، فلم يُذكر قط", وتُظهر صورة للرجلين في اجتماع عُقد في أكتوبر برئاسة بن نايف، بن سلمان وهو يقرأ مجلة. ويصعب الاقتناع ببعض محاولات الإيحاء بأن الرجلين يعملان معاً في الوقت الراهن بشكل جيد. سيناريوهات الأزمة على الرغم من أن الأزمة المستجدة مع إيران هذا الأسبوع قبل الماضي قد هيمنت على التغطية الإعلامية الخارجية للمملكة، إلا أنه على الصعيد المحلي، تُعتبر الحرب في اليمن، التي يتم ربطها عن كثب بالأمير محمد بن سلمان، أكثر قضية قد تقضي على المستقبل المهني للأمير الشاب. فالقتال، الذي ما زال على ما يبدو يحظى بتأييد عامة الشعب في المملكة، مكلف جداً من الناحية المادية ويتوقع أن يستمر لمدة طويلة من دون أن يأتي بنتائج واضحة. كما أن الميزانيات المحدودة، الناتجة عن انخفاض سعر النفط والمرتبطة أيضاً بالسياسة النفطية السعودية الحالية وبالأمير محمد بن سلمان، قد تحتم التخلي عن هذا الأخير. وتعتبر واشنطن أن الأمير محمد بن سلمان غير جدير وغير مؤهل للسلطة وفهمها، إذ أن افتقاره للخبرة والنضوج قد ظهر جلياً من خلال تعليقاته في المقابلة التي أجرتها معه مجلة "ذي إيكونومست"، والتي بدا فيها عازماً بشكل عام على مضاعفة جهوده بدلاً من تحويل مساره. وهو بالتأكيد لا يبدو أنه يريد الاعتراف بالهزيمة. العالم يراقب يلجأ إلى الأمير محمد بن سلمان حالياً قادة العالم والصحفيون الذين يزوروا الرياض. فوزير الخارجية الأمريكي جون كيري قد اتصل به بدلاً من الملك أو الأمير محمد بن نايف لكي يحاول تهدئة الأزمة السعودية-الإيرانية المستجدة. ويتم الإصغاء لتعليقات الأمير محمد بن سلمان حول السياسة النفطية أكثر مما يتم الإصغاء لوزير النفط المخضرم، علي النعيمي على الرغم أن تعليقات الأخير على قدر أكبر من الصواب. أما بن سلمان فقد تحدث إلى مجلة "ذي إيكونومست" عن عملية بيع جزئية لشركة النفط الحكومية "أرامكو"، بما في ذلك على نحو مثير للفضول عن فساد محتمل في الشركة، الأمر الذي فاجأ المراقبين في القطاع ووضع النعيمي في خانة اللافعل. ومستشهداً بونستون تشرشل، قال بن سلمان إن الفرص تأتي خلال الأزمات وأشار إلى خطة أشمل لتوسيع القطاع الخاص في المملكة. وكونه في الثلاثين من العمر فقط، يملك بن سلمان السلطة الضرورية لإعلان هذه الرؤى. ولكن ما إذا كان سيملك السلطة في يوم ما لتطبيق هذه الرؤى فعلاً فهذه مسألة أخرى.