تصعيد إعلامي مستمر تشهده صفحات الرأي بالجرائد العربية بين مؤيدي طرفي النزاع في المنطقة: السعودية – إيران. التصعيد واكب سخونة في الأجواء، اجتهد كتاب وصحفيون للحفاظ على درجتها مرتفعة، بعد إعدام الرياض لعالم الدين الشيعي نمر النمر، واقتحام محتجين السفارة السعودية في طهران. كتابنا سارعوا للطرق على الأحداث وهي ساخنة لتشكيل رأي عام عربي مساند لانحيازات كل منهم. حسن حردان في الأخبار اللبنانية رأى أن إعدام السعودية للنمر في هذا التوقيت يأتي للتغطية على "مآزق كبيرة خارجية وداخلية على خلفية فشلها وإخفاقها في تحقيق أهدافها في كل من سوريا واليمن والعراق، وتنامي القلق لدى حكام آل سعود من الانعكاسات والتداعيات السلبية لهذا الفشل والإخفاق على الداخل السعودي اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، وعلى الدور السعودي في المنطقة". فعلى المستوى الاقتصادي أدت السياسات السعودية الخارجية، فيما يعتقد حردان، إلى "عجز في الموازنة آخذ بالازدياد حتى بلغ في عام 2015 نحو 98 مليار دولار.." أما اجتماعيا فيرى حردان أن استمرار حرب اليمن ودعم السعودية للتنظيمات المسلحة بسورية سيكون له تداعيات سلبية على الوضع الاجتماعي "لا سيما بعد استنفاد الاحتياطات المالية وتنامي الدين العام، الأمر الذي سيدفع الحكومة مضطرة إلى اعتماد إجراءات تقشفية وزيادة الضرائب، وحتى إلى تقليص التقديمات الاجتماعية. ومن الطبيعي أن يقود ذلك إلى زيادة حدة التفاوت الاجتماعي الموجود أصلاً". نتيجة لذلك يتصور الكاتب اللبناني أن هذه الأوضاع س"تؤدي بالضرورة إلى إثارة تناقضات بين أجنحة الأسرة الحاكمة ودفع الجناح المنافس لولي ولي العهد محمد بن سلمان إلى تحميله المسؤولية.. كذلك ستؤدي إلى تنامي المعارضة الداخلية بكل فصائلها الإصلاحية والليبرالية والوهابية المتطرفة ضد سياسات آل سعود". وفي تفسيره للصراع المحتدم بين السعودية وإيران يرى حردان أنه لا يعود إلى "وجود صراع مذهبي أو عربي فارسي، أو نتيجة تدخلات إيران في الشؤون العربية كما تدعي السعودية، بل يرجع إلى أسباب سياسية نابعة من التعارض الذي يصل إلى حد التناقض الجذري بين مشروعين وخطين ونهجين: مشروع تحرري يرفض التبعية للولايات المتحدة والدول الغربية، ويسعى إلى الانعتاق من فلك الهيمنة الاستعمارية ويدعم خيار المقاومة ضد الاحتلال الصهيوني وينصر قضية الشعب الفلسطيني، ومشروع يريد إبقاء المنطقة خاضعة للاستعمار الأميركي الغربي بكل أشكاله السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، ويقف ضد المقاومة للاحتلال الصهيوني ويتآمر على الأنظمة والقوى الوطنية التي تدعم المقاومة". خالد الدخيل في الحياة اللندنية يخالف حردان الرأي، ففي اعتقاده أن "الآثار المدمرة لهوية إيران المذهبية هي ما يهدد وطنية الدول العربية وسيادتها.."، ويستند الدخيل في طرحه على مذهبية الدستور الإيراني، وهو ما لا يراه الكاتب في " النظام الأساسي" السعودي، الذي يكتفي بإيراد أن الدولة "تُحكم وفق الشريعة". ويرى الكاتب السعودي أن الصراع لا ينبغي أن ينحصر بين إيران والسعودية، بل يتصوره صراعا عربيا فارسيا، مؤكدا أن هذه الرؤية "لحمة فرضتها وتفرضها الطبيعة المذهبية لنظام "الجمهورية الإسلامية".. فهي من ألزمت نفسها بذلك دستوريا لتنطلق منه في سياستها الخارجية امتدادا لسياساتها الداخلية. وبالتالي تدير الصراع مع الدول العربية على هذا الأساس..". ولا يغادر الدخيل هذه النقطة قبل التأكيد على أن "حصر المواجهة مع إيران بالسعودية لا يجافي الواقع فحسب، بل هو نوع من الهرب من حقيقة ما يحدث، ويطيل أمد الصراع ولا يساعد في وضع حد له". وفي هدوء اتسمت به مقالاته دوما بجريدة الشروق رصد جميل مطر موقف الرأي العام المصري من الأزمة، وطبقا لرصده لم ينقسم المصريون "حول الأزمة السعودية الإيرانية انقساما واضحا أو جوهريا. كانت هناك اختلافات حول ملابسات وأولويات، ولكن بشكل عام لم يكشف السلوك المصرى عن انفعال أو مواقف حادة. ومع ذلك كان هناك ما يشبه الاعتراض العام على طبيعة الأزمة برمتها وبدت الخشية واضحة من أن تحظى الخلافات المذهبية بموقع متقدم فى هذا النزاع". مؤكدا أن "الرأى العام المصرى لن يقبل بأن تكون مصر فى يوم من الأيام طرفا فى صراع مذهبى أو طائفى.."، وتبعا للرؤية المطرية فإن بعض المواقف لدول الخليج، باستثناء السعودية والبحرين، تدل على رغبةٍ فى تحجيم التدخل الخارجى فى شئونها، لكن دون الانجرار إلى التصعيد من جانب السعودية، إذ يضع ذلك بقية الدول الخليجية "فى حرج شديد بالنسبة لإيران والمصالح التجارية والمالية لهذه الدول، وحاجتها المتزايدة إلى قواعد أمن متبادل تصنع توازنا قويا مناسبا فى الإقليم يحمى سيادتها واستقلالها كدول صغيرة وضعيفة بين عملاقين.."، ويستدرك مطر فيشير إلى أنه رغم ذلك فهو يميل إلى الرأي القائل بأن الرياض لن تسعى لتصعيد النزاع مع طهران، وكذلك الأخيرة لن تدفع في اتجاه التصعيد. رأي مطر تؤيده شواهد عدة، منها تصريح لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف شدد فيه على التهدئة، وهو ما ذهب إليه ولي عهد ولي العهد محمد بن سلمان في تصريح لصحيفة "الايكونوميست" أقر فيه أن السعودية لن تسع إلى حرب مع إيران. ويختم مطر مقاله باقتراح أن تلعب مصر في ظل الأزمة الحالية دورا مشابها للدور العُماني، على "أن تكون للسياسة المصرية خصوصية تستمدها من عناصر قوة غير ملموسة وتاريخ ملموس ومؤسسات حكم أغلبها يرفض الاصطفاف الاستراتيجى فى هياكل إقليمية أو دولية تعتمد على أفكار أو مبادئ من خارج السياق القومى الذى عاشت فيه السياسة الخارجية المصرية عقودا عديدة، وفشلت جميع محاولات إخراجها منه".