تزامنًا مع المنخفض الجوي المصحوب بأمطار غزيرة، تستعد بلاد الشام وبعض سواحل البحر المتوسط لاستقبال عواصف شديدة، تحول فصل الشتاء إلى نقمة تجتاح المناطق التي تؤوي اللاجئين، الذين لم يعرفوا الدفء من برودة الشتاء ولا الظل من لهيب شمس الصيف منذ أكثر من أربع سنوات، وما زالوا يتلمسون الخروج من أزمة يبدو أن نهايتها لن تكون قريبة. وتشهد المناطق التي تؤوي اللاجئين السورين عواصف شديدة في الفترة الأخيرة، مع توقعات بحدوث سيول وإعصارات قد تؤدي إلى كوارث إنسانية، خاصة في لبنانوسوريا، اللتين تفتقدان إلى بنية تحتية قادرة على التصدي إلى مثل هذه الأعاصير. ففي شمال شرقي سوريا تتعرض منطقة الحسكة منذ أيام لعاصفة مطرية قوية مصحوبة برياح عاتية، إذ وصل منسوب المياه إلى 70 ملم؛ ما تسبب في شل الحياة العامة وإلحاق أضرار بمنازل الأهالي المبنية من الطين، بالإضافة إلى هدم بعض الجسور المؤقتة. كما أن حال اللاجئين في دول الجوار ليس بأفضل، ففي بلدة عرسال اللبنانية أتت العاصفة على أهل الخيام، حيث لا طعام ولا غذاء ولا دفء ولا أمان، وتستمر في لبنان الأمطار والثلوج في التساقط حتى نهاية الأسبوع، وتتزامن مع عواصف رعدية، يعاني في أوقاتها اللاجئون نقصًا حادًّا في وقود التدفئة وفي المساعدات، رغم إعلان الأممالمتحدة وهيئات إغاثية تقديم معونات قبل وصول العاصفة التي تعد أقوى تحدٍّ يواجه اللاجئين منذ عامين. وضربت عاصفة ثلجية الجمعة لبنان، وقطعت السبل أمام سائقي السيارات، فزادت من معاناة عشرات الآلاف من السوريين الذين تؤويهم ملاجئ مؤقتة، ويعيش أكثر من نصف اللاجئين السوريين في لبنان- وعددهم الإجمالي مليون شخص- في خيام في تجمعات سكنية أو مواقف للسيارات أو مبانٍ مهجورة. وحاولت جرافات خدمات الطوارئ فتح الطرق في مناطق جبلية داخلية في الشمال والجنوب، لكن الجهود تعثرت بفعل استمرار تساقط الثلوج، وأغلقت الطرق في عدد من المناطق، وحوصرت الكثير من السيارات. ورغم أن 5 سنوات مضت من اللجوء السوري في لبنان، إلا أنها لم تجعل الأوضاع أسهل أو أيسر بالنسبة لمئات الآلاف الذين يزيد الشتاء الطويل القاسي أحوالهم سوءًا. ووسط هذه العواصف الثلجية القاسية، خاصة على من يقطنون الخيام والمناطق الجردية من اللاجئين، وجه العشرات منهم صرخات استغاثة للجمعيات العاملة في المنطقة، وأكد مسؤول باتحاد الجمعيات الإغاثية والتنموية في عكار في تصريحات صحفية أن هناك حاجة ماسة اليوم لمادة المازوت، فمعظم اللاجئين يقطنون في بيوت غير مجهزة، ولا يمكن لهم الاستمرار في هذا الطقس دون تدفئة، مبينًا أن العام الماضي "شهد حالات وفاة، ونأمل ألا تتكرر". في هذه الأثناء شكل ائتلاف الجمعيات الخيرية غرفة عمليات وطوارئ حسبما صرح به رئيس الائتلاف لقمان الخضر، مضيفًا أنه منذ معرفتهم بالعاصفة، عمدوا إلى تشكيل لجنة طوارئ، تعمل على التنسيق مع مندوبيهم في المناطق التي تكثر فيها تجمعات النازحين السوريين، مؤكدًا الاستمرار في تقديم الخبز اليومي حتى في أصعب الظروف. وأضاف الخضر أن الائتلاف أطلق حملة "دفء الشتاء" لتوزيع البطانيات والفرش والأغطية على كافة المناطق الجردية، كما تعمل على تأمين مادة المازوت للتدفئة. فيما أعلن الكثير من النشطاء العرب غضبهم من إغلاق أغلب الدول العربية حدودها في وجه اللاجئين، متسائلين: أين هي أموال الخليج؟ مؤكدين أن البلدان التي أشاعت الفوضى في سوريا عليها أن تتحمل مسؤولياتها الإنسانية تجاه ضحايا الأزمة السورية، وخاصة الأطفال منهم، محددين تركيا بالدرجة الأولى، ليس لأن أعدادًا كبيرة تقبع على حدودها، وإنما لأنها كانت المستفيد الأكبر اقتصاديًّا وسياسيًّا من إضعاف النظام السوري. ما زالت صور ومآسي الأعوام السابقة وما تعرض له الأطفال في المخيمات من أذى ماثلة للأذهان، والدول التي سارعت لضرب داعش وتسليح المعارضة وهدم سوريا تتقاعس اليوم وهي ترى الموت المحدق بالأطفال في المخيمات تحت الثلج والأوبئة، وأولها الأممالمتحدة أكبر الغائبين، فلا هي أجبرت المتصارعين على إيقاف الحرب، ولا تمكنت من إنقاذ اللاجئين السوريين.