واحدة من المنشآت الثقافية الفريدة بمصر، من حيث الطراز المعماري النادر، وإحدى القلاع الفنية العملاقة التي يمكن أن تساهم بدور رائد في تعزيز الوعي الثقافي لدى العامة والارتقاء بأذواقهم. دار أوبرا دمنهور التي أنشئت في عهد الملك فؤاد الأول، ففي عام 1930 وضع الملك فؤاد حجر الأساس لمبنى البلدية والسينما والمكتبة في الثامن من نوفمبر سنة 1930م، وقد أطلق على القسم الغربي من المبنى أولًا «سينما وتياترو فاروق»، وفي عام 1952 ثم تغير اسمهخا إلى سينما البلدية. ثم تغير في عام 1977 إلى سينما النصر الشتوي، ليطلقوا عليها في النهاية «دار اوبرا دمنهور». ويقول محمد ظريف، مدير أوبرا دمنهور: المبنى تحفة معمارية تتجسد فيها خصائص العمارة المصرية في بداية العقد الرابع من القرن الماضي. ويتبع المسرح من حيث التخطيط طراز الأوبرا الإيطالية، الذي وفد إلى مصر في عصر الخديوي إسماعيل، ثم ساد عمارة هذا النوع من المنشآت. وينفرد هذا المسرح باستخدام عناصر معمارية وزخرفية إسلامية الطراز، وقد نجح المعماري الإيطالي فيروتشي نجاحًا تامًّا في المزج بين التخطيط الأوروبي الوافد الذي يتناسب مع الوظيفة والعناصر المعمارية الإسلامية التي كانت مستخدمة منذ العصر الفاطمي وما تلاه من عصور ومنها العقود المنكسرة. ويضيف ظريف أن القيمة الفنية والمعمارية للمسرح، التي تعبر بصدق عن عمارة المسارح المصرية في بدايات القرن الماضي، فضلًا عن إبرازه للعناصر الفنية من زخارف نباتية وهندسية وعقود دائرية وأخرى على الطراز الأندلسي في مجموعة المداخل، ونظرًا لأن المسرح تم افتتاحه في الثلاثينيات من القرن الماضي، وهو يعتبر مكملًا لمسرح سيد درويش بالإسكندرية، الذي شيد في عهد الملك فؤاد، سجله قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بالمجلس الأعلى لللآثار أثرًا إسلاميًّا بعد موافقة اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية في عام 1988، وصدور قرار وزير الثقافة رقم 499 لسنة 1990 بتسجيل المسرح؛ للمحافظة على عناصره الفنية والمعمارية. وتطبيقًا للمادة الثانية من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983م، وتم ضم المبنى إلى قوائم مباني ذات القيمة الفنية والتاريخية بمحافظة البحيرة، بعد العرض على اللجنة المشكَّلة بقرار السيد رئيس الوزراء الصادر في 30 سبتمبر عام 1998. وأشار إلى أنه في منتصف الثمانينيات تدهورت حالة المسرح، خاصة من الناحية الإنشائية، فقد أدى عدم إجراء أعمال الصيانة والترميم الدورية للمسرح مع سوء الاستخدام إلى ظهور العديد من المشكلات الإنشائية، أهمها تدهور الخرسانة المسلحة لأسقف المسرح وتحللها، وانهيار جزء كبير من قبة صالة المسرح، كما أن ارتفاع منسوب المياه الجوفية وتسرب المياه إلى ممرات المسرح أثر على حالة الأساسات بالكامل. وفي الثمانينيات أغلق المسرح وتوقفت جميع أنشطته التي كانت تمارس عليه، وأصبح في حالة يرثى لها، إلى أن رممته وزارة الثقافة وزودته بأحدث وسائل العرض والإضاءة ليواكب أحدث مسارح مصر والعالم، وبعد أعمال الترميم تم افتتاح دار أوبرا دمنهور في 7 مايو 2009 لتشكل دار الأوبرا نافذة فنية وثقافية متفردة في محافظة البحيرة، حيث اعتلى مسرحها رمو الغناء في مصر. ويؤكد أشرف ربيع، أحد مؤسسي جمعية محبي أوبرا دمنهور، أن لها دورًا رياديًّا في الأوان الأخير، لذا أعتبرها منبرًا فنيًّا بل وثقافيًّا ليست على مستوى نطاق مدينة دمنهور فقط أو محافظة البحيرة ككل، بل امتد نشاطها للمحافظات المجاورة كمحافظة الغربية وكفر الشيخ؛ لافتقاد هذه المحافظات مثل هذا المنبر التنويري الفني الثقافي. وأضاف ربيع أن لأوبرا دمنهور حاليًا دورًا في جذب عنصر جديد وشديد الأهمية وهو الشباب، الذي بات يحرص على حضور كل الحفلات، سواء الموسيقى العربية والشرقية، وحفلات الموسيقى الغربية، والكلاسيكية والندوات الثقافية والشعرية، ويستطيع أن يفرق بين الغث والثمين، إلى جانب جمهور قديم تخطى الستين عامًا وأكثر، يحرصون على متابعة كل فاعلياتها. لذا اكتسبت الأوبرا أهمية خاصة من المسؤولين والجمهور بمختلف فئاته بالتوازي مع أوبرا القاهرة وأوبرا إسكندرية، كونها ثالث دار أوبرا في مصر بل والشرق الأوسط وإفريقيا كافة. من جانبه قال طارق البشبيشي، أحد رواد الأوبرا: دار الأوبرا بدمنهور عامل مهم للارتقاء بالذوق العام ومحاربة تفشي القبح والتدني، فالأوبرا من خلال خطة مدروسة تعيد تقديم فنون الزمن الجميل للأجيال الجديدة، وتساهم من خلال مختلف الأنشطة التي تقيمها برعاية المواهب الواعدة المتميزة في شتى المجالات الإبداعية، من غناء وموسيقى وفن الباليه والرسم وغيرها. وأضاف أن كثيرًا ممن زاروا مدينة دمنههور شهدوا لأهلها بارتفاع مستوى الوعي الثقافي لديهم ورقي ذوقهم، أمثال الدكتور عمار على حسن والشاعر الكبير سيد حجاب والفنان على الحجار والمايسترو عبد الحميد عبد الغفار وغيرهم.