يبدو أن الأزمة السياسية بين تركياوالعراق سوف تصل قريبًا إلى نفق مسدود، خاصة بعد توجه السلطات العراقية لاتخاذ إجراءات رسمية ضد التوغل التركي في الأراضي العراقية وانتهاك سيادة البلاد. يأتي ذلك في الوقت الذي ارتفعت فيه حدة اللهجة من طرف القوات المقاتلة بجانب الجيش العراقي، وعلى رأسها الحشد الشعبي الذي تَوعَّد تركيا بمهاجمة قواته إن لم يسحبها، وفي المقابل يظل التعنت التركي بعدم سحب القوات مسيطرًا على الموقف، في ظل إدانة دولية، وخاصة روسية، تنذر بإمكانية استعانة العراق بالحليفة الروسية لإنقاذها من العدوان التركي. العراق إلى التصعيد الدولي ذكر بيان رسمي للمكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء أن رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي" أوعز لوزارة الخارجية ب "الطلب من مجلس الأمن الدولي تحمُّل مسؤولياته، وفقًا لأحكام ميثاق الأممالمتحدة، والعمل على حماية العراق وأمنها وسيادتها وسلامة ووحدة أراضيها التي انتهكتها القوات التركية، وأن يأمر تركيا بسحب قواتها فورًا، وأن يضمن بكافة الوسائل المتاحة الانسحاب الفوري غير المشروط إلى الحدود الدولية المعترف بها بين البلدين، وعدم تكرار تلك التصرفات الأحادية التي تضرّ بالعلاقات الدولية، والتي تعرض الأمن الإقليمي إلى مخاطر كبيرة". المرجعية الدينية تخرج عن صمتها دخلت المرجعية الدينية في النجف خط الأزمة، مُحمِّلة الحكومة العراقية مسؤولية حماية سيادة العراق وعدم السماح لأي طرف بالتعدي عليها، حيث طالب ممثل المرجعية "أحمد الصافي" دول جوار العراق باحترام سيادة العراق، وأن تمتنع عن إرسال قواتها إلى الأراضي العراقية، دون موافقة الحكومة المركزية، وفقاً للقوانين النافذة في البلد. تركيا تتراجع قليلًا تحركات القوى السياسية والعسكرية العراقية على الصعيد الشعبي والدبلوماسي والعسكري أربكت تركيا قليلًا، وهو ما دفعها إلى التنازل عن بعض من تعنُّتها، من خلال تخفيض عدد القوات التركية إلى نحو فوج، بالإضافة إلى إعداد الآليات والأسلحة الثقيلة بصيغة يمكن تنظيمها لاحقًا، وذلك في إطار محادثات تدور بين وفد تركي يزور العراق وبعض المسؤولين العراقيين، حيث من المفترض أن يمدد الوفد زيارته من أجل الوصول إلى صيغة حل وتفاهم، تُمكِّن تركيا من الإبقاء على قوة قتالية بأي شكل من الأشكال، بغض النظر عن عددها، وهو ما يرفضه رئيس الوزراء العراقي بشدة. وأعلن مكتب رئيس الوزراء التركي "أحمد داوود أوغلو" أن أنقرة قررت خلال محادثات مع مسؤولين عراقيين "إعادة تنظيم" قواتها في معسكر بعشيقة قرب مدينة الموصل في شمال العراق، موضحًا أنه جرى التوصل إلى اتفاق لبدء العمل لوضع آليات لتعزيز التعاون مع الحكومة العراقية بشأن القضايا الأمنية، دون ذكر تفاصيل بشأن عملية إعادة تنظيم القوات. إقحام روسيا في الخلافات من جانب آخر تحاول تركيا تصدير الأزمة بينها وبين بغداد، متهمة "طرفًا ثالثًا" بتهييج السلطات العراقية على تركيا، حيث قال رئيس الوزراء التركي "داوود أوغلو": "هناك طرف ثالث يحاول شن حملة دعائية ضد تركيا، ويحاول التحريض بين تركياوالعراق"، وأضاف أن "الجنود الأتراك متواجدون في العراق منذ أكثر من عام، ولم يقم أحد بسؤالنا عن وجودهم، فماذا جرى الآن؟". هل حانت الفرصة لروسيا؟ لم تدرك تركيا حتى الآن أنها تلعب بالنار، التي يمكن أن تكتوي بها في أي لحظة، فيبدو أن الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" لم يحسب هذه الخطوة جيدًا، ولم ينظر بعين الاهتمام إلى حلفاء العراق الإقليميين، وعلى رأسهم روسيا وإيران، فالتوغل التركي وإن كانت له أهداف ومصالح تعود بالنفع على الدولة التركية، إلا أن له آثارًا سلبية كثيرة لم تفكر فيها القيادة التركية، حيث إنه يأتي في الوقت الذي تستشيط فيه روسيا غضبًا من تركيا، وينتظر فيه الدب الروسي الفرصة المناسبة لينقضَّ على السلطان التركي ويقتصَّ منه؛ تنفيذًا لتهديداته التي جاءت على لسان مسؤوليه في أكثر من حديث، بعد إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية على الحدود السورية التركية. التوغل التركي في العراق جعل القيادة العراقية تضع "داعش" والقوات التركية في خانه واحدة، يتوجب مكافحتها، وهو ما قد يدفع العراق إلى الاستعانة بروسيا لصد الهجوم التركي، كما أنه سبق وكانت على بُعد خطوات من الاستعانة بها لمساندتها في مكافحة تنظيم "داعش" بعد إدراكها ضعف التحالف الدولي الذي تقوده أمريكا وعدم جديته في مكافحة الإرهاب، وهو ما قد تتخذه روسيا ثغرة؛ لتنتهز الفرصة لتصفية حساباتها مع تركيا، خاصة في ظل إدانة روسيا للتوغل التركي في العراق، حيث أعرب وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف" عن دعمه لموقف العراق من نشر قوات تركية فيها، وذلك في مكالمة هاتفية مع نظيره العراقي "إبراهيم الجعفري"، وقالت وزارة الخارجية الروسية إن "الوزير العراقي أبلغ لافروف بتطورات الاقتحام غير القانوني للوحدات العسكرية التركية في شمال العراق ومناشدة بغدادالأممالمتحدة بشأن القضية"، وأضافت الوزارة أن "الجانب الروسي أعرب عن موقف ثابت ومبدئي في دعم سيادة العراق ووحدة أراضيها، إلى جانب اتخاذ السلطات العراقية خطوات ضمن الامتثال لقواعد القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة".