انتهت مسرحية الانتخابات الهزلية المسماه زورا ب"البرلمانية"، كما أراد لها مؤلفها ومخرجها الرئيس عبد الفتاح السيسي ومساعدوه أن تنتهي، وتشكل أخيرا برلمان "النطيحة والمتردية وما أكل السبع".. برلمان تنازل نوابه سلفا عن صلاحياتهم، وقدموها تزلفا وقربانا على اعتاب "الاتحادية". تشكل المجلس "الموقر"، كما أراد له صاحبه، برلمان لا يراجع قراراته، أو يناقش تشريعاته التي اقتربت من 300 قانون صدرت تحت مظلة الضرورة، ويوافق عليها جملة واحدة، مجلس لا يعرقل مسيرة "المشروعات الكبرى" التي سيغرف منها المصريون عسلا ولبنا.. مجلس منزوع السياسة، يسيطر عليه نواب الوطني المنحل والجنرالات المتقاعدون والأحزاب والقوائم التي صنعتها الأجهزة الأمنية ومولها رجال الأعمال. "الموقر" لا يمثل للرئيس سوى قطعة ديكور، أو "وردة في عروة الجاكتة"، يباهي بها العالم خلال زيارته الكثيرة للخارج، ويغلق الباب أمام دول ومؤسسات انتقدت غياب مؤسسة التشريع والرقابة لأكثر من عامين، ليعلن لهم أن "مصر الآن تمتلك برلمانا منتخبا اختار أعضاءه الشعب بطريقة حرة وديمقراطية وفي عملية نزيهة لم تشهد تسويدا أو تزويرا مباشرا". السيسي منذ البداية رسم الطريق أمام برلمان موال، بلا معارضة أو أحزاب قد يغريها ما حصلت عليه من مقاعد، وتستخدم حقها الدستوري في رفض برنامج رئيس الحكومة الذي سيقترحها الرئيس على البرلمان، ليصبح مضطرا إلى تكليف الحزب صاحب الأكثرية بتشكيل حكومة تشاركه السلطة. بعد حكم "الدستورية" بوقف الانتخابات في مارس الماضي، لبطلان بعض مواد قوانين الانتخاب، التقى الرئيس أكثر من مرة بممثلي الأحزاب والقوى السياسية، وفي كل مرة يعرض الحضور عليه تعديل النظام الانتخابي ويقدموا له مقترحات مكتوبة منها "50% فردي + 50% قوائم نسبية"، أو"40% فردي + 40% قوائم نسبية + و20% قائمة مطلقة للفئات التي نص عليها الدستور"، يسمع السيسي مقترحاتهم، ثم يفاجائهم بطلبه المتكرر بالتوحد في قائمة واحدة.. "بلاها تعددية وتداول سلطة بين أحزاب وقوى مختلفة البرامج .. وبلا قرف". الرجل بخلفيته العسكرية بدا غير مكترث بالطبقة السياسية ولا يقيم لها وزنا، ولم يقتنع يوما بما يطرحونه، في تلك الأجواء ظهرت على السطح قائمة "في حب مصر"، التي أعلنت عن نفسها كقائمة الدولة "الرئيس تحديدا"، وضعت صورته وشعاره "تحيا مصر" على دعايتها في البداية، واستخدمت أجهزة الدولة في تفكيك القوائم المنافسة، وتم منع قوائم أخرى من دخول الانتخابات بطرق ملتوية حتى تحسم معركة القوائم قبل أن تبدأ، ولعب "الأجهزتيين" بسلاح الترغيب والترهيب على مرشحي المقاعد الفردية، حتى دارت المعركة الانتخابية بين أحباء الرئيس فقط، "الكل يعزف ليطرب سيد الاتحادية". منذ إعلان نتائج الانتخابات و"أحباء الرئيس" يتكاثرون، رجل الأجهزة السابق الهابط ب"بارشوت" إلى عالم السياسة، سيادة اللواء سيف اليزل أعلن أن 400 نائبا انضموا إلى ائتلاف "دعم الدولة المصرية"، ومازال التفاوض مستمر لضم آخرين، بعد توقيعهم على شرط إذعان أطلقوا عليه وثيقة "عدم التحزب"، المفارقة أن نوابا لأحزاب رسمية وقعوا تلك الوثيقة، "حزبه يلمعه وصرف عليه دمه قلبه ويكبره ويدخله البرلمان.. وسيف اليزل يلهفه على الجاهز"، وبذلك تتحول الأهداف التي تم وضعها منذ أكثر من عام إلى واقع ملموس تحت القبة "مجلس نواب مكون من أفراد يدورون في فلك الرئيس وسلطته التنفيذية". النهاية لن تكون كما أرداها الرئيس ومساعدوه وأجهزته باكتمال هذا المجلس "المستأنس"، فالنافذة التي يريد صاحبها أن يباهي بها العالم، ستتحول إلى نافذة يطل منها العالم على "غسيلنا الوسخ"، فمع الجلسة الافتتاحية سيشهد الرأي العام في الداخل والخارج الجريمة السياسية التي اكتملت أركانها، ونسب المشاهدة لقناة صوت الشعب ستتفوق على نسب مشاهدة قنوات "التيت والمولد"، هذا إن استمرت القناة. السادة النواب المحترمون سيتبارون أمام الكاميرات في السب واللعن والتنابذ بألفاظ تنتمي إلى قاموس "الإباحة"، وستتعالى "الأصوات" في القاعة المستديرة، حتى تعلن الست انشراح إعتزالها رسميا، بعد ان "تشكر شكرتها الأخيرة". "يقوم النظام السياسي علي أساس التعددية السياسية والحزبية، والتداول السلمي للسلطة, والفصل بين السلطات والتوازن بينها, وتلازم المسئولية مع السلطة، واحترام حقوق الإنسان وحرياته"، هذا هو منطوق المادة الخامسة من دستور الحبر على الورق الذي لا يحترمه أحد في هذه الدولة.. "أحباء الرئيس" فعلا "ميصحش كدة".