في ظل ما تشهده العلاقات الروسية التركية من توترات خلال الفترة الأخيرة، لاسيما مع تصاعد التصريحات بين الجانبين، يتساءل الكثيرون هل من الممكن أن يستمر التصعيد حتى يصل مرحلة الاشتباك العسكري؟، وبالرغم من ضعف هذا الاحتمال إلا إنه بحسب الصراعات التاريخية بين الإمبراطورية السوفيتية والعثمانية قديما، قد يكون وارد اليوم لكنه مرتبط بأفعال كل طرف في مناطق قد تكون محور اشتباك في المرحلة المقبلة، وهي مناطق دائمًا ما شهدت صراعات بين الإمبراطوريتين. ويعتبر التوتر القائم بين تركياوروسيا استمرارا للصراع بين الإمبراطوريتين الروسية والعثمانية الذي بقي مستمرًا منذ زمن بعيد، فما يحدث الآن قد يدخل في إطار الصراع القديم، الذي يجدده "بوتين" و"أردوغان" اللذان يعتقدان أنهما وريثان للإمبراطوريتين اللتين انتهى عهدهما منذ فترة طويلة، فالروس والأتراك تقاتلا مرات عديدة في أزمان مختلفة، حيث تقدمت روسيا إلى أعماق الإمبراطورية العثمانية، كما في البلقان والقوقاز والبحر الأسود ومضيق الدردنيل، فما هي المناطق التي قد يتجدد فيها الصراع وتشهد حربا حتمية بين القيصر والسلطان. مضيق البوسفور والدردنيل يعد مضيق البوسفور والدردنيل بوابة روسيا للعبور من البحر الأسود إلى المتوسط عن طريق بحر إيجه، وبموجب اتفاقية مونترو تسيطر تركيا على هذه المضايق، ولا تمنح هذه الاتفاقية أنقرة الحق في إغلاق مضايق البحر الأسود إلا في حالة إعلان الحرب، لكن وسط تصاعد التصريحات بين الجانبين قد يكون هذا المضيق ورقة ضغط تستغلها تركيا، عن طريق استخدام نظام القواعد الدولية الخاصة بحركة السفن في مضيقي البوسفور والدردنيل الذي أقرته تركيا بصورة فردية عام 1994، وهذا النظام يمنح أنقرة الحق في منع مرور جميع السفن عبر المضيقين في حال القيام بعمليات الحفر فيهما، أو الأعمال الصحية أو إجراء الفعاليات الرياضية وفي كافة الحالات المماثلة الأخرى، حسبما يقضي المبدأ الرابع والعشرون للنظام، لذلك يمكن لتركيا استخدام هذا البند لتبرير إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام روسيا، واستخدامها ورقة المضايق للتضيق على روسيا ، إلا أن موسكو أكدت أكثر من مرة أن التلويح بهذا الأمر سيعتبر إعلان عن بدأ الحرب الشاملة بين تركياوروسيا. على الرغم من التزام تركيا حتى الآن باتفاقية مونترو وعدم استغلالها لهذه المضايق إلا أن سياسيون روس اقترحوا نسف هذا المضيق، حيث اقترح فلاديمير جيرنوفسكي زعيم الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، نسف مضيق "البسفور" بالقنابل النووية انتقاما للطائرة الروسية التي أسقطتها تركيا في سوريا، وفي حديثه مع راديو "جوفريت موسكوفا" الروسي، قال جرينوفسكي: "محو إسطنبول من على وجه الأرض أمر غاية في السهولة، فالأمواج التي سيبلغ ارتفاعها من 10 إلى 15 مترا بعد إلقاء قنبلة نووية واحدة على البوسفور ستمحو المدينة وتقضي عليها، كما يبلغ عدد سكان المدينة 10 ملايين نسمة. شبة جزيرة القرم تسعى تركيا دائما على مدى تاريخ علاقاتها مع روسيا إلى تقويض مواقف الأخيرة في شبة جزيرة القرم عن طريق دعم المعارضين للسلطات الروسية في الجزيرة، وبعد عودة القرم للدولة الروسية امتنعت أنقرة عن الإدلاء بتصريحات قاطعة حول هذه المسألة، إلا أن هذا الأمر لا يعني على الإطلاق أن حكومة أردوغان استسلمت للواقع الجديد، حيث عززت تركيا دعمها سياسيا وماليا لمجلس شعب تتار القرم المعارض لروسيا، وفي إطار هذا النهج أجرى الرئيس التركي قي شهر أغسطس للعام الجاري بالعاصمة أنقرة "المؤتمر العالمي لتتار القرم"، وعلى خلفية التطورات الأخيرة التي طالت العلاقات الروسية التركية من المتوقع أن يقدم أردوغان، سعيا لاستعادة النفوذ الذي كانت الإمبراطورية العثمانية تتمتع به في القرم. تدل مؤشرات عديدة إلى أن السلطات الأوكرانية الحالية تسعى إلى الاستفادة من التطورات الأخيرة، حيث بدأت كييف بتوجيه رسائل واضحة لأنقرة مفادها أن الطرفين بإمكانهما التوحد في مواجهة عدو مشترك يمثله "الدب الروسي"، وذلك من خلال تشكيل تحالف تركي أوكراني ضد روسيا، بالإضافة إلى توريد كميات ضخمة من المعدات العسكرية للجيش الأوكراني، في محاولة للتصدي لنفوذ روسيا هناك، إلا أن مراقبون روس يرون أن هذه الخطوة ستكون عواقبها وخيمة، إذ من الممكن أن تقوم حربًا بين روسياوتركيا طويلة الأمد، لما تراه روسيا تهديدا لأمنها بعد تكوين هذا التحالف ضد موسكو، الذي قد يعمل على زعزعة استقرار الأوضاع في شبه الجزيرة، واسترجاعها إلى كييف مرة أخرى. شهدت هذه الجزيرة حربًا واسعة بين الإمبراطوية العثمانية والسوفيتية قبل فترة، ففي عامي 1853-1856، شُنت تلك الحرب نتيجة لعدم رغبة بريطانيا وفرنسا في السماح لروسيا بالسيطرة الكاملة على البحر الأسود على حساب الإمبراطورية العثمانية، التي أرادت أن تفرض سيطرتها على المنطقة، انتصر العثمانيون، ولكن أساء قادتها فهم ذلك النصر، وشعروا بالسيادة فركنوا إلى الخمول، وفي الوقت ذاته، استغل الروس الهزيمة بشبه جزيرة القرم واتخذوها فرصة لتنفيذ عدد من الإصلاحات المهمة، حتى استرجعت في القرن التاسع عشر سيطرتها على الإمبراطورية العثمانية في القوقاز والبلقان والبحر الأسود مرة أخرى، وعادت القرم مرة أخرى تحت السيادة الروسية لكن سرعان ما تمتعت الجزيرة بحكم ذاتي تحت اسم جمهورية القرم السوفيتية الاشتراكية ذاتية الحكم منضوية تحت جمهورية روسيا من 1921 حتى 1945، وفي عام 1991 ظلت القرم جمهورية ذاتية الحكم لكن ضمن أوكرانيا، حتى عام 2014 حيث استرجعت روسيا جزيرة القرم مرة أخرى، بعد استفتاء في أعقاب الثورة الأوكرانية والتدخل الغرب فيها. منطقة تركمان سوريا تأتي أيضًا المناطق الحدودية بين تركياوسوريا في قلب الصراع الروسي التركي، إذا ترى موسكو أن هناك محاولات من أنقرة وأمريكا بدعم تركمان سوريا للسيطرة على المناطق الحدودية، وتمكن بالفعل تركمان سوريا بغطاء جوي من الطائرات التركية والأمريكية من الاستيلاء على قريتين سوريتين كانتا تحت سيطرة داعش في الفترة الأخيرة، وتقول روسيا إن هدف تركيا من هذا الدعم هو ترسيم حدود المنطقة العازلة التي تنوي أنقرة تحويلها إلى معسكرات للنازحين السوريين، وقد تكون الخطوة التالية إعلان منطقة حظر جوي لتكون تحت السيادة التركية، وهو ما ترفضه روسيا الأمر الذي قد يؤدي لقيام حرب في هذه المنطقة بين الجانين.