على بعد 48 كيلو مترًا من مدينة أسيوط و12 كيلو من الناحية الغربية لمدينة القوصية، يقع الدير المحرق مجاورًا لقرية المنشأة الكبرى،ليكون مأوى آمنًا للعائلة المقدسة،التي هربت من وجه الطاغية هيردوس. قطعت العائلة المقدسة الطريق في مشقة وعناء حتى وصلت إلى جبل قسقام واستراحت في بيت مهجور من الطوب اللبن وكان سقفه من سعف النخيل وبجواره بئر ماء "الذي أصبح كنيسة في القرن الأول الميلادي"حيث كان جبل قسقام في ذلك الزمان صحراء جرداء،وأثناء إقامتهم في هذا المكان حضر إليهم رجل يدعى "يوسى"ورقد يوسى ودفن في مدخل هذا البيت،وتوارث الرهبان جيلًا بعد جيل،ويقع في الجهة الغربية القبلية بكنيسة السيدة العذراء الأثرية بالدير. التأسيس كان لهذا المكان المقدس الأثر الكبير في جذب الأنبا باخوميوس، الذين أتوا قسقام في القرن الرابع الميلادي، واشتركوا مع القاطنين حول الكنيسة في تأسيس الدير، وقد وصل عدد الرهبان في نهاية القرن الرابع إلى 300 راهب. وهناك تقليد ثابت وراسخ منذ القدم عند إباء الدير،وهو أن تبقى الكنيسة على ما هي عليه شاهدة عبر العصور على التضرعلرب المجد ليخلص شعبة من خطاياهم. ويقول القس"أفريم المحرقي"وكيل الدير: يرجع اسم الدير إلى أنه كان متاخمًا لمنطقة تجميع الحشائش والنباتات الضارة وحرقها،لذلك دعيت بالمنطقة المحترقة أو المحروقة ومع مرور الوقت استقر لقب الدير "بالمحرق". بعد مدخل البوابة الرئيسة والبوابة الثانية بالاتجاه الشمالي، تقع كنيسة السيدة العذراء الأثرية، البيت المهجور الذي عاشت فيه العائلة المقدسة،ويبقى على مساحته حتى القرن ال19 الميلادي، حيث أصبح للكنيسة ثلاثة خوارس، وتتميز الكنيسة ببساطة بنائها،حيث يوجد بها مذبح واحد، تحيط به أربعة أعمدة في أركان الهيكل، وعلى جانبي الهيكل توجد غرفتان صغيرتان حسب طقس الكنيسة الأولى. وأوضح القس"افرايم المحرقي" أن "مذبح" تعني أن السيد المسيح له المجد، وهو الذي باركه بيمينه الإلهية ليدوم مدى الزمن والأجيال، وأن الذبيحة لا تنقطع من فوق هذا المذبح، ويبقى المكان آمنًا،وتستجاب طلبات كل من يأتي إليه متشفعًا بالعذراء مريم. كما يعد الحصن الأثري من أقدم المعالم التاريخية بالدير المحرق، وأن بعض علماء الآثار يرون أن تاريخه يرجع إلى القرن ال8 الميلادي،وهو من أصغر الحصون الموجودة في الأديرة العامرة حاليًا، التي بنيت لحماية الرهبان من غارات البربر الوحشية، وأولها بني في دير أبي مقار في أواخر القرن الخامس الميلادي،ويتكون الحصن من ثلاثة طوابق على غرار الحصون التي بناها الملك زينون والد القديسة ايلارية، التي سلكت في الحياة الرهبانية بزي الرجل تحت اسم الراهب ايلاري ببرية شيهيت. والطابق الأول به عدة غرف وحوض للترمس،يستمد الماء من البئر، أما الطابق الثاني يتم الدخول إلى الحصن من هذا الطابق، عن طريق قنطره متحركة وبه عدة غرف، والطابق الثالث به كنيسة رئيس الملائكة ميخائيل. قصر الضيافة أحد المعالم الموجودة داخل الدير حيث أنشئ عام 1910 على يد الأنبا باخوميوس أسقف الدير في ذلك الوقت، وهو خاص بإقامة رئيس الدير وكبار الزوار من البطاركة والمطارنة والأساقفة، ويتبع له مبنى لاستضافة الكهنه الجدد الذين يقضون 40 يومًا بعد سيامتهم،لاستلام طقس الذبيحة المقدسة والقداس الإلهي. ويعد الدير المحرق مزارًا كبيرًا للأقباط والمسلمين لممارسة بعض الطقوس الشهيرة منذ القدم،حيث يقدم الأقباط للذبح وتقديم الذبيحة وللتبرك من مقام السيدة مريم العذراء. ومن أشهر العادات والتقاليد داخل الدير المحرق التي يتبعها المسلمين هى "الندر"بتلك الكلمات بدأت "يسرية محمد"سيدة مسنة بمركز القوصية بأنها تقوم بالندر وتوفيه داخل الدير المحرق، حيث كانت زوجة ابنها لا تحمل وبعد أكثر من 7 سنين قامت بالندر بالذبح للدير المحرق بعد زيارتها للكنيسة الأثرية،وتقول: "الندر"من العادات القديمة، بالدعاء والتقرب إلى الله من خلال أولياء الله الصالحين والسيدة مريم العذراء بالوفاء بتقديم شيء إلى الفقراء في هذا المكان، وعند تحقيق هذا المطلب يتم الوفي بالوعد أي الندر. "وفي مشهد جماعي بجوار الكنيسة التي يقام بها القداس"يقوم بعض الأقباط بعمد أطفالهم وغسلهم بالماء وهم فى سن الصغر ما بين شهور إلى سنة؛ للتبرك من الماء المقدسة. ويقولعاطف كامل، من سوهاج:أزور الدير المحرق سنويًّا لتقديم الذبائح ولإقامة صلاة القداس في هذا المكان وأزور الكنيسة الأثرية التي هى أقدم مكان تاريخي هبطت إليه العائلة المقدسة، لتمكث فيه ما يقرب من 6 شهور. وأثناء تواجد "البديل" داخل الدير المحرق،أكد محمد منتصر، تاجر عسل نحل، أنه يتعامل مع الدير في استيراد العسل منذ أكثر من 6 سنوات،وأضاف أن الدير به معرض للمنتجات من اللحوم والدواجن وعسل النحل. ومن أشهر الطقوس التي يشارك فيها الأقباط والمسلمين داخل الدير "حل الحديد" التي تبدأ في العشرين من يوليو من كل عام بمهرجان كبير، يتم تأمينه من خلال قوات الشرطة ويقوم المسلمون بعمل سوق تجارية كبيرة حول أسوار الدير ومن الداخل، ويقوم الاقباط بالزيارة من المناطق كافة في مصر وتمتد مدة الزيارة لأكثر من أسبوع. وقالت كرستينا موريس، سيدة قبطية: أذهب إلى الدير من مدينة القوصية إلى الدير المحرق لنحو 3 ساعات سيرًا وبمسافة 10 كيلو مترات؛ للتبرك من العائلة المقدسة والشعور بمعاناتهم في الوصول إلى الدير. وقال الراهب مكسيموس المحرقي: من المتوقع زيادة أعداد الزوار لهذا العام،إذ لوحظ ازدياد عدد الراغبين في حجز غرف الإقامة للصلاة وللعبادة خلال الموسم الاحتفالي، والجهود الأمنية مستمرة بكثافة حول الدير، كما يرحب الدير بالزائرين بتهيئة أماكن صلاة القداس الإلهي بكنيسة السيدةالعذراء الجديدة خارج أسوار الدير القديم، وتم الدفع بأعداد من طالبي الخدمة من الشباب؛ لحفظ النظام وهيبة المكان وترتيب طقوس الزيارة، والعمل على راحة الزائرين وإعدادأماكن متسعة للزوار، بالإضافةإلى الاهتمام بأعداد البرامج الروحية مثل الألحان والتراتيل والعظات والتماجيد الخاصة للسيدةالعذراء وحفظ الاحتفالات داخل طقسها الروحي والديني.