على ما يبدو أن جميع الدول تبحث لها عن بدائل حقيقية تستطيع من خلالها أخذ موقع ريادي في المنطقة أو على الأقل تحاول أن يكون لها دور إقليمي يشعر العالم من خلاله أن هذه الدولة لم تشطب بعد من قائمة الدول وأنها مازالت على قيد الحياة، خاصة في ظل هيمنة الولاياتالمتحدةالأمريكية منفردة على النظام السياسي والاقتصادي بالعالم، وفي هذه القمة سمعنا أصوات روسياوإيران، فنزويلاونيجيريا وحتى غينيا الإستوائية وغيرهم. الصحف العالمية سلّطت الضوء على هذه الدول لتمثيلها الدبلوماسي العالي خلال هذه القمة، وكان على مستوى رؤساء الجمهورية، فدولة مثل نيجيريا وغنينا الإستوائية وعلى الرغم من أنها دول لها قيمتها من حيث الغاز والنفط، إلا أن نشاطها على الساحة الدولية محدود جداً، قمم من هذا النوع تحرك جمود هذه الدول وتجعل لها مكانة على الخارطة الدولية. قمة كهذه جعلت العالم يعرف أن رئيس غينيا الإستوائية اسمه "تيودور أوبيانغ" من خلال كلمته في القمة والتي أكد فيها على ضرورة التركيز على كيفية الاستفادة من ثروة الغاز الطبيعي على مستوى العالم. أسباب تشبث دولة كغينيا الإستوائية بمنتدى الدول المصدرة للغاز من المفترض أن تكون ذاتها أسباب مصر لأخذ موقع متميز في هذا المنتدى، حيث أشار "أوبيانغ" إلى عدم قدرة بلاده على الاستفادة من ثرواتها بسبب السياسات الخاطئة لبعض الدول الكبرى، وهذا ما لم يحدث. الحديث عن منتدى الدول المصدرة للغاز بالغ الأهمية، فبالأمس شهد العالم ولادة كيان جديد كلياُ تؤسس له روسيا، كيان يكون بديل عن كيانات الولاياتالمتحدةالأمريكية، فإن كانت الأوبك "منظمة الدول المصدرة للنفط" تحت المظلة الأمريكية بتبعية سعودية، فإن منتدى الدول المصدرة للغاز تحت المظلة الروسية بتحالف إيراني، والمقصود بتبعية السعودية هنا، بأن الرياض مستعدة للإضرار بمصالحها كما فعلت في تخفيض أسعار النفط ما أدى لاتباعها سياسات تقشف في المملكة مقابل تنفيذ سياسات واشنطن بالعالم والمنطقة. إذا كانت أمريكا تسيطر على البنك الدولي، فروسيا ودول البريكس اتخذوا قرارا بتأسيس بنك تنمية خاص بهم كبديل للبنك الدولي برأسمال 50 مليار دولار، وصندوق لاحتياط العملات برأسمال 100 مليار دولار، علامة على تمرد دولي ضد منظومة اتفاقية بريتون وودز وبداية تغير بنيوي فيما يتعلق بإدارة الاقتصاد العالمي وما يتبعه هذا الأمر من صراع بين الشرق والغرب عليه، وهو ما يتبدى راهنا من خلال الدعم المالي الصيني من خلال هذه المؤسسات الجديدة لدول مثل روسياوفنزويلا التي تقف على النقيض من السياسات الغربية، وتمثل مجموعة البريكس اليوم حوالي 30٪ من حجم الناتج القومي العالمي، بينما تمثل الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي حوالي 45٪. المتابع لقمة منتدى الدول المصدرة للغاز، يجد أن دولة كإيران حجزت لنفسها مكاناً على خارطة العالم، فإيرانوموسكو وقعتا على عدد من الاتفاقيات الثنائية في مجالات نووية واقتصادية، وتؤكدان العمل معاً في مواجهة الإرهاب والتنسيق فيما بينهما بخصوص الأزمة السورية، أضف إلى ذلك أن تصريحات كلا الطرفان تشير إلى أن هناك تحالف استراتيجي وقوي بينهما، فالمرشد الإيراني علي خامنئي قال: إن الإجراءات الروسية في سوريا زادت من مصداقية روسيا في المنطقة والعالم. إيران اليوم أصبحت قوة مرشحة للزعامة الإقليمية، وهذا لا يعني بالضرورة أن مصر ليست مرشحة أيضاً لهذه الزعامة التي تستطيع أن تأخذ شكل القطبية الإيجابية، خاصة في ظل وجود عداوة مشتركة للكيان الصهيوني وداعش بالمنطقة، فصحيح أن إيران هي الحليف الاستراتيجي الذي تريده موسكو، ولكن في المقابل جميع المؤشرات تقول بأن روسيا تريد إلى جانبها مصر في هذا التحالف، وعلى ما يبدو أن القاهرة هي التي لم تحسم خيارتها بعد، فمصر مترددة بين سياسة أمريكا ومال السعودية، تردد غير مبرر، فواشنطن بدأ يتراجع دورها في الشرق الأوسط لصالح روسيا وخير دليل على ذلك الأزمة السورية، والسعودية سيغرقها حليفها الأمريكي، واتباعها سياسة التقشف في المملكة خير دليل على ضعف قوتها المالية التي بالكاد ستساعدها على إنقاذ اقتصادها، لاسيما في ظل سياستها الاقتصادية الخاطئة بتخفيض سعر برميل النفط. عدم قبول مصر بدور الزعامة الإقليمية في هذا التحالف الجديد، يعني تنازلها طوعاً عن هذا الدور لصالح تركيا وليس لأي أحد آخر، بما في ذلك السعودية التي تعاني من ضعف الساسة فيها إما لكهولتهم أو لتهورهم السياسي نتيجة لوجود جيل مراهق من الشباب في الطبقة الحاكمة لا يملك الخبرة والحنكة السياسية لإدارة الأمور، وعلى كل الأحوال ابتعاد مصر عن روسيا واقترابها من الولاياتالمتحدة لن يخدم القاهرة في صراعها الحتمي مع الكيان الصهيوني، فمصلحة واشنطن أن تبقى مصر ضعيفة على حساب جارها المحتل الإسرائيلي وهذا ما لن تجده عند الروس.