1- الثورة فعل جذري ينقل المجتمع من حالة الي أخري بحيث يكون هذا الانتقال أو التحول كاف لاستيعاب تلك الطاقة التي اتخذت طابعا ثوريا. وهو ما يعني أنها لحظة تاريخية فارقة، تحكمها قوانينها الداخلية الخاصة، التي تعبر عن بنية المجتمع. فهي من ناحية عملية مؤقتة من حيث الانفجار الذي يُصهر استاتيكا الواقع، ليحولها إلي حالة هيولي سرعان ما تتخذ صورا أخري مخالفة للحالة الأولي. ومن ناحية ثانية : عملية دائمة بمعني تحول ذلك الإنفجار الثوري إلى قدرات جديدة توظف في صالح إعادة ضبط الواقع وصياغة قوانين جديدة للجغرافيا السياسية. 2- الثورة إذن فعل ضروري لأي مجتمع لتجديد خلايا الجسد الاجتماعي حينما تصل علاقات الإنتاج وتصورات العقل الجمعي الي مرحلة يصعب معها مواصلة التقدم خطوة أبعد من ذلك في ظل أزمة مجتمعية محكمة، وبما يؤهلها للتجاوب مع المتغيرات المختلفة وتنظيم الرؤي المتدفقة تحت ضغوط الحالة الثورية. 3- والثورات فعل عقلاني في الوقت ذاته من حيث أنها لحظة صدق، يواجه فيها العقل نفسه، ويكشف عن جوهر الواقع الذي يجول فيه ويتدبره، فيكتشف أن لا حل لتلك الأزمة أو الأزمات سوي بانحياز الواقع إلى التغيير وليس الي الثبات. والقرار العقلاني هنا هو الذي يتجلي ويصبح مهيمنا علي الفعل الذي يصير ثوريا أو عقلانيا في زي ثوري. 4- والثورة فعل إيجابي يخالف قوانين الوضع الراهن، ويبحث في احتمالات المستقبل التي حلمت بها الرؤي المستقبلية لهؤلاء المبشرين بعالم جديد. ومن حالة التبشير هذه يتخذ الفعل الثوري صفة الإيجابية الفعالة. بإيجاز شديد ، الثورة هي تغيير جذري من حالة استاتيكية إلى وضع دينامي جديد، يكشف عن منطق جديد في العلاقات بين البؤر الحية التي تحكمها وحدة معرفية حضارية واحدة. هذا التغير لا يقاس بالاجماع، بل بمدى تمثيل تلك القوي الحية في المجتمع لعناصر الفعل الثوري. ولا يقنن عن طريق مساحات الألوان الزاهية في البناء الحركي للجماهير، وإن كانت ذات دلاله استرشادية في كثير من الأحيان إلا أنها قد تعكس الواقع علي غير حقيقته. فالوعي الثوري يقاس بالضرورة بمقدار تحصيل الفعل لتمثلات العقل أو الفكر الثوري الناشيء في جنبات الأنوار العقلانية المبشرة بثورة تغيير مهما أوغلت تلك الأنوار في القدم؛ لأن راهنية الفكرة تستمد قابليتها للتحقق من مدي قدرتها علي التعبير عن تلبية احتياجات الواقع. هنا فإن إحياء الأفكار الثورية غالبا ما يزداد الإقبال عليها عشية الثورات ويستمر التزود بها في كل خطوة تقدمية للامام. وبناء علي ذلك فإنك إن أردت أن تفسر أو تفهم أو تحلل ثورة ما فلا تدرس علاقات القوي وتفاعلاتها فحسب، بل إبحث في منطق تلك العلاقات أو بمعني آخر في عقلانية الفعل الثوري؛ لأن فيه يكمن كشف الواقع العملي أكثر من دراسة أي مفهوم اخر للثورة. فالأفكار قد تلبس ثوبا يخفي جزءا من حقيقتها إذا ما نزلت غمار بحر السياسة. والسؤال الأن .. هل نحن إزاء فعل ثوري؟ أو بصورة أخري. هل نحن أمام عقل ثوري؟ المشهد الراهن في تجلياته التاريخية المختلفة منذ 25 يناير 2011 وحتي الآن يوحي بتذبذبات كبيرة بين الرفض والإيجاب.. يوحي بذلك لأن عقلاً كهذا الذي يدير مسار الحالة الثورية الراهنة قادم من خلف حجب.. أو عقل مهزوم أمام سلفية عقل آخر.. سلفية تراثية وسلفية حداثية أيضا – إن صح التعبير- .ولهذا المعني حديث آخر.