تساءلت في المقال السابق عن كيفية انقلاب الموازين، وتحول الاضطهاد الأوروبي إلى النقيض؟، والجواب، أن اليهود قد تمكنوا من التغلغل في مفاصل العديد من الدول، ونجحوا في السيطرة على ثروات العالم، وتأسيس المنظمات، ذات النفوذ والهيمنة، للوصول لمراكز القوى وصنع القرار السياسي في الدول الكبرى، وعن طريق هذه المنظمات وجماعات الضغط المعروفة باللوبي، أصبحت صياغة القرار العالمي لا تتم إلا بالكيفية التي تخدم آمال وتطلعات اليهود، الذين أصبحوا الآن أسيادا على العالم في الخفاء، إلى جانب التضامن في المصالح مع الولاياتالمتحدة، للدرجة التي أصبحت فيها أواصر المصالح الأمريكية الإسرائيلية تماثل الزواج الكاثوليكي. وعن طريق سيطرة اليهود على الاقتصاد العالمي وثروات العالم وتحقيق السيادة المالية، نجحوا في السيطرة شبه المطلقة على أبرز وأهم أنشطة ومجالات الحياة الأمريكية والأوروبية والعربية على حد سواء، ومن بينها السيطرة والهيمنة على وسائل الإعلام، لاستخدام سياسة الضغط والإكراه وغسيل العقول، ولهذا نجح اليهود في تحريف وتحوير مصطلح معاداة السامية، وتوظيفه توظيفا جيدا لابتزاز الدول والشعوب، والظهور بمظهر الفئة المستضعفة التي يناصبها الآخرون العداء، وأصبح هذا الوهم الأوروبي القديم قابعا ومستقرا داخل أعماق النفس اليهودية، فهم يعتقدون أن أي عداء لأي يهودي أو صهيوني على وجه الأرض هو عداء للسامية، ونجحوا في ترويج هذا الوهم والكذب وإقناع الأمم والشعوب به. وأصبح مصطلح معاداة السامية واسعا فضفاضا يتسع ليشمل جميع الأعمال العدوانية التي ترتكب ضد اليهود كمجموعة عرقية ودينية وإثنية، ونجحوا في استعطاف الرأي العام العالمي نجاحا منقطع النظير، لتبني هذه الأفكار الخاطئة المغلوطة، والتي تتسم بقدر كبير من التطرف والعنصرية. ونتيجة لهذا التوظيف الجيد تمكن اليهود من إقامة دولتهم في فلسطين، وأصبحت معاداة السامية بمثابة الحصانة التي نجح اليهود في انتزاعها وإسباغها على أنفسهم، لتحصينهم من أي انتقاد أو اتهام يرد على جرائمهم الوحشية في فلسطين أو ضد العرب والمسلمين، وبالتالي أصبحت معاداة السامية تمنح اليهود سياجا منيعا من الحماية، وغطاء من الشرعية تجاه ارتكاب أي عمل من الأعمال غير المشروعة، والمخالفة لأحكام ومبادئ القانون الدولي والمواثيق والاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان، من دون أن يخضع أي منهم للمساءلة أو حتى مجرد النقد، بل على النقيض من ذلك يتهم أي شخص أو جهة بمعاداة السامية إذا ما أقدم على معارضة أو انتقاد الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية. وبهذا يكون اليهود قد أحرزوا انتصارا مدويا، بسبب قدرتهم على جعل معاداة السامية تبدو كالصخرة المجيدة المقدسة، التي تنكسر وتتحطم عليها جميع أمواج الادعاءات التي تتغنى بالحرية والديموقراطية وحرية التعبير عن الرأي في العالم قاطبة. ولكن من هم الساميون؟، وهل اليهود حقا هم الجنس السامي؟ وإن كان الجواب نعم، فهل يقتصر هذا الوصف على اليهود دون غيرهم؟. والجواب، الساميون هم سلالة سام بن نوح عليه السلام، ويقصد بالسامية الشعوب التي سكنت شبه الجزيرة العربية وبلاد النهرين (العراق القديم) وسوريا وفلسطين ولبنان، فكل هذه الشعوب العربية وغير العربية التي سكنت هذه المناطق هم سلالة سام بن نوح. إذا فمصطلح السامية ينبغي أن يطلق على العرب، والكلدانيين، والآشوريين، والسوريين، والكنعانيين، والفلسطينيين، والفينيقيين، والبابليين، واليهود، فكل هؤلاء هم سلالة سام بن نوح، وليس كما يزعم اليهود بأنهم فقط هم الجنس السامي دون غيرهم. ولكن كما سبق وأن ذكرنا، فقد نجح اليهود نتيجة لتحكمهم في كل مجالات الحياة، من تشويه التاريخ والحقائق عن طريق ادعائهم بأنهم هم الممثلون الوحيدون للجنس السامي في العالم، بالرغم من كونهم أضعف الفئات الممثلة للسامية، بسبب اختلاطهم بالشعوب والأجناس الأخرى، وشتاتهم المتناثر في كل بقعة من بقاع العالم. ومما يدل على نجاحهم الباهر في تشويه التاريخ، أن جرائمهم الوحشية والبربرية ضد الفلسطينيين أو العرب لا تعد من ضمن معاداة السامية، بالرغم من أن العرب والفلسطينيين من السلالة السامية، أما لو قام اليهود بقتل وإبادة الشعب الفلسطيني وتهجيره، وتجرأ أي شخص وانتقد بالقول هذا الفعل، أو غيره من الأفعال الأخرى، فإنه يحاكم بتهمة معاداة السامية. وحقا فكلما اشتطت نفسي لفك وترجمة وفهم هذه السياسة التي أتقنها هؤلاء القوم، حار عقلي، وازداد نبض قلبي، أمام فك طلاسم سياسة القوم، التي أخضعوا بها الأمم والشعوب، وجعلوها أداة طيعة لينة في أيديهم يحركونها كيفما يشاؤون، بالصورة التي ربما يعجز إبليس نفسه عن الإتيان بمثلها.