جولة مكوكية يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" في محاولة منه لتهدئه الأوضاع في الأراضي المحتلة، بعد أن وصلت الاشتباكات والمواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين سواء المستوطنين أو جنود الاحتلال إلى مرحلة خطيرة، التدخل الأمريكي في الأزمة رأه البعض محاولة جديدة من واشنطن لإنقاذ حليفها الصهيوني من مخاطر انطلاق انتفاضة فلسطينية جديدة، فيما يعتقد آخرون أنها محاولة لتهدئة الأوضاع القائمة لكنها لا تقدم حل جذري للمشكلة. التقى وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري"، بالرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بعمان، في محاولة لتهدئة الوضع الدائر بالآراضي المحتلّة والقدس، قمة "كيري" و"عباس" كانت سريعة لكن "عباس" طالب خلالها بمؤتمر دوليّ عاجل لإعلان الدولة الفلسطينية على حدود عام سبعة وستين وعاصمتها القدسالشرقية، كما قدم الرئيس الفلسطيني ل"كيري" خمس مجلدات توثق الانتهاكات الاسرائيلية والإعدامات الميدانية، واصفًا نتينياهو ب"الكاذب"، وأكد الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" خلال حديثة مع وزير الخارجية الأمريكي، أن القدس والمقدسات ووقف اعتداءات المستوطنين يجب أن تكون الخطوات الأولى التي يجب أن يقوم بها الجانب الإسرائيلي قبل أي عمل. جولة "كيري" لم تقف عند لقاء "أبو مازن" فقط، بل امتدت ليلتقي الملك الأردني "عبد الله الثاني"، الذي شرح ل"كيري" أن الوضع في القدس غير قابل للقسمة أو التغيير، فالوصاية الأردنية على القدس والمقدّسات خط أحمر لا يمكن تجاوزه، كما أكد العاهل الأردني في حديثه ل"كيري" أن "نتنياهو" لا يلتزم بالاتفاقات والعهود، لذلك حتى الآن لا يردّ الملك على اتصالات رئيس الوزراء الإسرائيلي. كان "كيري" قد أعلن أنه تلقى وعدًا من "نتنياهو" بأن إسرائيل ستحافظ على "الوضع الراهن" في المسجد الأقصى، وتلا أربع نقاط تسلمها من "نتنياهو" تصف فيها إسرائيل رؤيتها إلى الوضع الراهن، وهي كالآتي "تحترم إسرائيل الدور الخاص للأردن في القدس كما تم تعريفه في اتفاق السلام بين البلدين، والدور التاريخي للملك عبد الله كحارس للمقدسات الإسلامية في القدس، ويلتزم نتنياهو أمام كيري بأن تواصل إسرائيل سياسة العبادة الدينية التي تطبقها منذ سنوات طويلة في الحرم، التي تقول إنه يمكن للمسلمين الصلاة في الحرم القدسي بينما يمكن لغير المسلمين زيارته ولا يمكنهم الصلاة فيه، وإسرائيل لا تنوي تقسيم الحرم القدسي وترفض مطلقاً أيّ ادّعاء بأنها تنوي عمل ذلك"، كما أكد أن "نتنياهو" وافق على مراقبة الحرم بكاميرات البث الحي والمباشر. النقاط التي أقرها "نتنياهو" وتلاها "كيري"، تحمل في طياتها خبث صهيوني كبير، حيث أنها تشرع اقتحامات الصهاينة للمسجد الأقصى تحت عنوان "الزيارة"، وهو ما يعني أنها تقدم "المسجد الأقصى" للمستوطنين واليهود المتطرفين على طبق من ذهب، كما أن تصريحات "نتنياهو" تدل على موافقة صهيونية على وضع كاميرات مراقبة للحرم، وهو ما يصب في صالح إسرائيل أيضًا، حيث ستبث هذه الكاميرات الصور الملتقطة إلى غرفة الطوارئ في الشرطة الصهيونية، وليس من الواضح هل ستحول الصور إلى الأردن أم لا، إضافة إلى أن مقترح وضع الكاميرات سيخلص "نتنياهو" من المقترح الفرنسي الداعي لنشر قوات مراقبين أجانب في الحرم، وهو ما رفضة الاحتلال رفضًا قاطعًا، ليصح الحل الأول أفضل كثيرًا بالنسبة للاحتلال من المبادرة الفرنسية. اتفاق التفاهم الذي أقره "كيري" و"نتنياهو" و"عبد الله الثاني" تعرض لموجة من الانتقادات الفلسطينية، حيث قال وزير الخارجية الفلسطيني "رياض المالكي" إن الفلسطينيين وقعوا في "الفخ" بعد الاتفاق الأردني الإسرائيلي لنشر كاميرات مراقبة في المسجد الأقصى. وقال "المالكي"، معلقًا على الاتفاق إنه "فخ إضافي"، مشددًا على أن "الكاميرات ستستخدم لاعتقال الفلسطينيين بحجج التحريض"، وأضاف أنه لا يمكن الثقة برئيس الوزراء الإسرائيلي، سيما فيما يتعلق بشأن "إبقاء الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك"، وأعرب "المالكي" عن اعتقاده بأنه لا يمكن تصديق نتنياهو وذلك لعدم وفائه بتعهدات أعلنها في اجتماعات سابقة مع العاهل الأردني، ووزير الخارجية الأمريكي، بالسماح للمسلمين بالصلاة في الأقصى دون تحديد الأعمار، وأوضح أن "كيري" يسعى إلى الترويج لتعهدات نتنياهو تلك كأنها تعهدات تاريخية. في ذات السياق، دانت وزارة الخارجية الفلسطينية ب"شدة"، ما صدر عن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية "بنيامين نتنياهو" من تصريحات تضمنت ادعاءات صريحة بوجود حق لليهود في المسجد الأقصى، وأوضحت الوزارة في بيان أن تصريحات "نتنياهو" تؤكد إصراره على فرض التقسيم الزماني للمسجد الأقصى المبارك، وتمريره كأمر واقع من خلال الترويج لطروحات فارغة، تتمثل في تمسكه باستمرار "الزيارات" لغير المسلمين إلى باحات المسجد الأقصى المبارك، بما يعني بشكل واضح استمرار الجماعات اليهودية المتطرفة باقتحاماتها اليومية للمسجد، وقالت الخارجية في بيانها "لا يمكن أن يكون نتنياهو والاحتلال الضامن لأي اتفاق جديد بخصوص المسجد الأقصى المبارك والحرم القدسي الشريف، فنتنياهو يسعى لتغيير الوضع القائم والسائد في المسجد الأقصى منذ عام 1967″. من جانبها وصفت حركة "حماس" إعلان "كيري" ب "الهزلي وفارغ المضمون"، واعتبرت في بيان لها أن ما ورد في هذا الإعلان هو محاولة خبيثة من رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" بتواطؤ أمريكي يهدف إلى تثبيت السيطرة على المسجد الأقصى، وأكدت الحركة رفضها هذا الإعلان الذي جاء بصيغة مبهمة ليعطي "نتنياهو" وحكومته الفرصة للتهرب من أي التزامات، ودعت حماس الفلسطينيين إلى "اليقظة والتمسك بحماية المسجد الأقصى مهما كلف الثمن"، كما دعت رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" والأردن والقادة العرب إلى "عدم القبول بأي اتفاق يعطي إسرائيل الفرصة للالتفاف على حقوق شعبنا". بدوره قال عضو اللجة المركزية لحركة فتح "محمود العالول"، "نحن لا نوافق على ما تسرب من معلومات حول التفاهم"، وأضاف "ليس هناك شيء واضح ونحن لا نصدق كيري"، فيما اعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية "أحمد مجدلاني"، أن اتفاق التفاهم "لا يعد حلا عمليًا لإنهاء الأزمة في المسجد، لأنها لن توقف التقسيم الزماني والمكاني للمسجد"، وأضاف "الجانب الفلسطيني متمسك بالإصرار على ضرورة العودة إلى ما كان عليه الوضع في المسجد الأقصى قبل عام 2000، ووقف أي إجراءات إسرائيلية لفرض تقسيم زماني ومكاني في المسجد".