ما زالت الحضارة المصرية القديمة مليئة بالألغاز والغموض، ورغم أن الباحثين حاولوا اكتشاف بعض الأسرار المرتبطة بالفراعنة القدامى، إلا أن هذه الحضارة العريقة ظل يحوطها الغموض الذي أعجز كبار العلماء والأثريين عن تفسيره أو فك لغزه. يقول محمد بكير، الباحث في علم المصريات، إن قدس الأقداس أو المذبح يعتبر أهم أجزاء المعبد، وهو "مقصورة المعبود" التي تُعرف في المصرية القديمة باسم "ست ورت"، أي "العرش الكبير"، أو "الموضع العظيم"، وهو نفس الاسم الذي يطلق على "عرش الملك"، وقد يدل على أن كل متوجٌ في مكانه، الملكُ في قصره، والمعبودُ في معبده، حيث يقيم وتقدَّم له شعائر التعبد والقرابين. وأضاف "بكير" أن "الناووس" الذي يحفظ تمثال المعبود به كان يتناسب حجمه مع حجم التمثال، وجُعل وسط قدس الأقداس قاعدة ليستقر عليها الناووس أو الزورق المقدس، وتنفصل حجرة قدس الأقداس عن حجرة الزورق المقدس كما في معبد "الأقصر". وأوضح الباحث في علم المصريات أن "أرنولد" أحد العلماء، يرى أن مساكن المعبودات كانت تشتمل على حجرة للتمثال يقيم فيها، وحجرة أخرى لمائدة القرابين حيث ينادي على المعبود ليتناول وجباته الغذائية، وحجرة ثالثة كبيرة نسبيًا خصصت للزورق المقدس الذي كان المعبود يستعمله في تنقلاته الخارجية في الأعياد والاحتفالات. وتابع "بكير" أن المصري القديم اعتبر تمثال المعبود في قدس الأقداس سرًا أكبر من الأسرار الخاصة الموجودة داخل السماء، وسرًا أكبر من الأسرار الخاصة بالعالم الآخر، ومختفيًا أكثر من سكان العالم الأزلي، مضيفا: "على هذا الأساس كان التمثال يوضع داخل مقصورته أو ناووسه، ويغلق عليه، ثم يوضع في حجرة خاصة به، تعرف بقدس الأقداس، وكان التمثال محور الخدمة اليومية في المعبد، ولم يعتقد المصري القديم أن التمثال هو المعبود، لكنه اعتقد أنه من خلال طقوس معينة تتقمصُ روحُ المعبودِ في تمثالِه، وغالبًا ما يشتمل المعبد على مقاصير بعدد الأرباب والربات الذين يُعبدون فيه، وكانت المقاصير في الغالب ثلاثة للثالوث المقدس في المعبد". ولفت إلى ملاحظة الصعود التدريجي والظلام التدريجي الذي يبدأ من صرح المعبد حتى قدس الأقداس، فالأرضيات ترتفع بالتدريج ابتداء من بهو الأساطين، وحتى قدس الأقداس، كما يلاحظ أيضًا أن سقف قدس الأقداس أقرب ما يكون من الأرضية، فهو أكثر انخفاضًا من باقي أجزاء المعبد، وهكذا فالفناء المكشوف يغمره الضوء في النهار، ويعقبه ضوء خافت في بهو الأساطين، وظلام مقصود في الحجرات الخاصة بالرب الذي يُعبد في المعبد، وربما كان الهدف من ذلك بعث الرهبة والخشوع والإحساس بالغموض في نفس أي شخص يدخل إلى المكان المقدس. واستطرد: "كانت جميع أجزاء أو أقسام المعبد الرئيسية تقام على محور واحد يتوسطه طريق يبدأ من مدخل المعبد حتى يصل إلى قدس الأقداس؛ لتحقيق السهولة لوصول موكب المعبود الذي يتجسد في شكل التمثال الذي كان يُحمل داخل ناووسه على أكتاف الكهنة إلى خارج المعبد، أو إلى داخله". واختتم: ومن التقاليد الدينية لبعض الأرباب، مثل "آمون"، أن التمثال المقدس كان يوضع في مقصورة داخل زورقه المقدس، وكان يُحمل أيضًا على أكتاف الكهنة مصحوبًا بكبار رجال الدولة، وذلك في مواسم وأعياد معلومة، وتعرف هذه الطقسة الخاصة بالدخول إلى قدس الأقداس باسم "الطلعة الملكية".