"دوام الحال من المحال".. رغم أنها مقولة شعبية متداولة، إلا أنها أصبحت الأكثر تعبيرًا عن حال المصرين وعلاقتهم بالاستحقاقات الانتخابية والاستفتاءات. فبعدما عانى الشعب على مدار سنوات عديدة من إحساسة بعدم أهمية صوته الانتخابي؛ مما جعله غير مهتم بتلك الاستحقاقات ولا الناخبين، جاءت ثورة يناير لتحيي روح الإحساس بالمسئولية وأن أصواتهم التى استطاعت خلع نظام استمر على مدار 30 عامًا تستطيع أيضًا اختيار مستقبل أفضل يصنع غدًا لهم ولأولادهم. لكن فى الحقيقة لم يستمر هذا الاهتمام كثيرًا، فبعد مرور 4 أعوام على ثورة يناير وعامين على ثورة يونيو اللتين شارك فيهما المصرون بالملايين فى الميادين؛ لخلع نظامين لم يستطيعا تلبية رغبات الشعب فى "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية"، عادت البوصلة الشعبية لاهتمامهم بالاستحقاقات الانتخابية كما كانت، فالصمت حلق على اللجان الانتخابية، وعادت الكاميرات لترصد تراجع نسب المشاركة للمواطنين، وعاد الشعب إلى عالمه الافتراضى، مغردًا بمقولة "ما حدش راح". استفتاء مارس بين التحريم والرفض بين دعوات الرفض على الاستفتاء على التعديلات الدستورية التى تقدمتها القوى الثورية حينها وبين الحشد الذى قاده التيار الإسلامي فى مصر للتصويت ب "نعم" على الاستفتاء في مارس 2011، عقب تنحي الرئيس الأسبق حسني مبارك في 11 فبراير من نفس العام، بعدما دعا المجلس العسكري بقيادة المشير حسين طنطاوي الشعب المصري للتصويت على التعديلات الدستورية لدستور عام 1971، احتشد المواطنون أمام اللجان للإدلاء بأصواتهم، حيث جاءت المشاركة كبيرة كأول عملية ديمقراطية عقب ثوة يناير، فشارك 18 مليونًا من أصل 45 مليون ناخب، أي بنسبة 41%. وجرى هذا الاستفتاء في يوم واحد فقط؛ ما حرم الكثيرين ممن احتشدوا أمام اللجان بعد المدة المحددة للتصويت من قبل اللجنة العليا للانتخابات من الإدلاء بأصواتهم. انتخابات البرلمان 2011 الأكثر توافدًا ومن التعديلات الدستورية التى شهدت احتشاد المواطنين إلى انتخابات مجلس النواب، والتى بدأت فى نوفمبر من عام 2011، وتمت على 3 مراحل، حيث أعلن المستشار عبد المعز إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للانتخابات حينها، أن نسبة المشاركة فى المرحلة الأولى بلغت 52%، فأدلى 8 ملايين و449 ألفًا من أصل 13 مليونًا و614 ألفًا و525 ناخبًا. أما المرحلة الثانية فكانت في ديسمبر من نفس العام، وأعلن المستشار عبد المعز إبراهيم أن نسبة المشاركة بلغت 43 %، حيث شارك 7 ملايين و489 ألفًا و 191 من أصل 17 مليونًا و383 ألفًا و177 ناخبًا، وسجلت المرحلة الثالثة في حينها أعلى نسبة مشاركة، فأعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات أن نسبة التصويت في المرحلة الثالثة بلغت 62%، حيث شارك 8 ملايين و656 ألفًا و657 من أصل 14 مليونًا و39 ألفًا و300 مواطن لهم حق التصويت فى هذه المرحلة. وكان ذلك انعكاسًا لرغبة العديد من المواطنين في ممارسة أول عملية ديمقراطية حقيقية، وجرت كل مرحلة في يوم واحد فقط؛ ما حرم الكثيرين من الإدلاء بأصواتهم. انتخابات مجلس الشورى 2012 دون اهتمام شعبي خلفت الدعوات التى نادت بإلغاء مجلس الشورى لعدم أهميته فى مقابل المالبغ المالية التى تصرف على انتخاباته وأعضائه أقل نسبة مشاركة في انتخابات المجلس، والتى تمت فى فبراير 2012، فأعلن عبد المعز إبراهيم أن نسبة المشاركة بلغت 15.41% في مرحلتها الأولى، وبلغت في المرحلة الثانية 12.2%. الانتخابات الرئاسية 2012 الأكثر اهتمامًا ومشاركة شعبية كنت هذه أول انتخابات رئاسية تشهدها مصر عقب ثورة يناير التى أطاحت برأس نظام مبارك، والتى جاءت فى عنفوان القوى الثورية التى احتشدت للتصدى لمرشح الفلول حينها الفريق أحمد شفيق، فى المقابل ترشح عدد من الذين حُسبوا على الصف الثوري حينها، منهم حمدين صباحي، والحقوقي خالد على، بجانب مرشح جماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد مرسي. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية في مرحلتها الأولى 46%، إذ أدلى 23 مليونًا و672 ألفًا و236 من أصل 50 مليونًا و996 ألفًا و76 ناخبًا بأصواتهم، حسبما أعلن المستشار فاروق سلطان رئيس اللجنة العليا للانتخابات وقتها. وارتفعت نسبة المشاركة في جولة الإعادة بين المرشحين محمد مرسي وأحمد شفيق، حيث وصلت إلى 52%، حسبما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات، بمشاركة 26 مليونًا و420 ألفًا و763 من أصل 50 مليونًا و996 ألفًا و794. الاستفتاء على الدستور المصري عام 2012 وتراجع الاحتشاد الشعبي انطلقت دعوات القوى الثورية حينها لحث المواطنين على عدم المشاركة في الاستفتاء ورفض الدستور؛ لما يحتويه من مواد قالوا عنها "مطاطية"، بجانب بعض المواد المقيدة لحرية الرأى وعودة مادة "محاكمة المدنيين أمام المحاكمات العسكرية"، في المقابل ظلت هناك بعض الدعوات للاستفتاء ب "نعم" من مؤيدي النظام، وبين هذا وذاك استمر المواطنون فى النزول إلى لجان الاقتراع للمرة الخامسة دون كلل أو ملل، ففي ديسمبر من عام 2012 أُجري الاستفتاء على الدستور المصري، وكانت نسبة المشاركة أقل مما كانت عليه في السابق، حيث وصلت إلى 33%. وأعلن المستشار سمير أبو المعاطي، رئيس اللجنة العليا للانتخابات حينها، مشاركة 17 مليونًا و58 ألفًا و317 ناخبًا من أصل 51 مليونًا و919 ألفًا و67، ودارت الشكوك حول التلاعب بنتائج الاستفتاء وتزوير استمارات التصويت. الاستفتاء على الدستور المصري عام 2014 "أعظم دساتير العالم" أجري هذا الاستفتاء بعد ثورة يونيو التى انطلقت في الميادين؛ لإنهاء حكم جماعة الإخوان المسلمين، فيما حشدت الدولة بإعلامها المواطنين للنزول والتصويت ب "نعم" للدستور، حيث تم الترويج لهذا الدستور على أنه "أعظم دساتير العالم". فيما جاءت نسبة المشاركة أعلى بقليل من استفتاء دستور 2012، فبلغت حسبما أعلنت اللجنة العليا للانتخابات 38%، حيث شارك 20 مليونًا و613 ألفًا و677 ناخبًا من أصل 53 مليونًا ونصف. الانتخابات الرئاسية عام 2014 هي الاستحقاق الثاني من خارطة المستقبل التي أعلنها حينها وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، وجرت في يونيو من عام 2014، وترشح كل من المشير عبد الفتاح السيسي، والذي فاز بالمنصب، وحمدين صباحي. وأعلن المستشار أنور معاطي، رئيس اللجنة العليا للانتخابات آنذاك خلال مؤتمر إعلان اسم الفائز بالمنصب، أن نسبة المشاركة بلغت 47%، حيث شارك 25 مليونًا و260 ألفًا و190 ناخبًا من أصل 53 مليونًا و909 آلاف و306 لهم الحق في التصويت. الانتخابات البرلمانية 2015 وسط عزوف شعبي ولجان خاوية وسط تجاهل شبابي وتجمع حول العالم الافتراضي من مواقع التواصل الاجتماعى وتبادل التدوينات الشبابية تحت هاشتاج بعنوان "محدش راح" بدأت انتخابات الاستحقاق الثالث لخارطة الطريق (الانتخابات البرلمانية) فى 14 محافظة، واستمرت لمدة يومين 18 و19 من الشهر الجاري. وكانت المشاركة الضعيفة التى شهدتها معظم اللجان فى المحافظات والتى شهدتها القنوات الفضائية وراء مهاجمة بعض الإعلاميين للشعب المصري، وخاصة الشباب؛ بسبب العزوف عن المشاركة. وكشف مصدر قضائى باللجنة العليا للانتخابات عن أن نسبة الحضور والمشاركة المحتملة فى الانتخابات البرلمانية ستكون ما بين 25 إلى 30%. في المقابل أكد المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر" أن حجم المشاركة في الجولة الأولى لانتخابات البرلمان المصري، وحتى إغلاق اللجان الانتخابية بنهاية اليوم الثاني للانتخابات، بلغت 3.6% من عدد المقيدين في الجداول، بإجمالي 988 ألف ناخب تقريباً. وكان المستشار عمر مروان، المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات، أكد في مؤتمر صحفي، الاثنين 19 أكتوبر، أن نسبة المشاركة في الخارج بلغت 40%، وأنه لا نية لتمديد التصويت ليوم ثالث، وقال رئيس اللجنة المستشار أيمن عباس في بيان مقتضب خلال مؤتمر صحفي استغرق أقل من 5 دقائق، بعد ظهر الثلاثاء الماضي، أن عدد من حضروا إلى مقار التصويت التي أقامتها لجنة الانتخابات في 139 سفارة وقنصلية بالخارج بلغ 30 ألفًا و531 ناخباً، فيما بلغ عدد الأصوات الباطلة 1856 صوتاً، وبلغ عدد الأعداد الصحيحة 28 ألفًا و675 صوتاً، دون أن يعلن عن نتائج التصويت. جاء هذا بعد التصريحات التي أدلى بها المتحدث باسم اللجنة خلال اليوم الأول لعملية الانتخاب، والتي قال خلالها إن نسبة التصويت بلغت في اليوم الأول نحو 2.2 %. من جهته أشار رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل إلى أن نسبة الإقبال على التصويت في العملية الانتخابية في مصر يوم الأحد الماضي تراوحت ما بين 15 و20 في المائة. الشباب لم يقاطع الانتخابات "هو نفض بس" علق خالد عبد الحميد، أحد الكوادر السياسية الشبابية، على عزوف الشباب عن الانتخابات البرلمانية، قائًلا "إحنا كشباب ما قاطعناش الانتخابات.. إحنا نفضنا لها". مضيفاً أن الانتخابات بجميع أشكالها منذ عام 2011 وحتى الآن مجرد "مسرحية يتبادل السيطرة عليها أبطال المشهد". وأشار عبد الحميد إلى أن الغالبية العظمى من الشباب غير مهتمين بالانتخابات البرلمانية، التي لا تمثل لهم "أكثر من حالة سخرية ومزاح" عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ولفت إلى أن من ذهبوا إلى صناديق الاقتراع هم من كبار السن المستمرين في التصويت على مدار جميع الانتخابات منذ 2011 وحتى الآن، ظنًّا منهم بحسب عبد الحميد أنها ستجلب لهم الاستقرار الذي تعدهم به الحكومة قبل كل انتخابات. الإحباط والتضييق على التيار المدني سبب العزوف من جانبه أكد أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، أن حالة العزوف جاءت نتجة للتجاوزات التى حدثت للتيارات المدنية والتى منها الشروط الصعبة التى وضعتها اللجنة العليا للأحزاب المدنية، وأضاف "بجانب الأزمات التى تمر بها الساحة السياسية من تضييق على حرية الرأى، بجانب الأزمات الأقتصادية، كل هذا شارك فى حالة الإحباط التي وصل إليها المواطن المصري، والتى ظهرت بشدة فى لجان الاقتراع".