تحدت المخرجة الشابة روان الغابة، صعوبات إنتاجية كثيرة لتحقيق حلمها بتقديم عرضها الاستعراضي «مولان روج» على المسرح الكبير بدار الأوبرا بالقاهرة، لمدة يومين الشهر الماضي. أرادت روان تقديم عرض موسيقي على غرار عروض برودواي، واختارت مسرحة أحد أشهر الأفلام الموسيقية الاستعراضية "مولان روج" أو الطاحونة الحمراء، وقررت إنتاجه ذاتيًّا بمشاركة فنانين شباب متطوعين وأغلبية من الهواة، وتمسكت بطموح عرضه على أكبر مسارح مصر. ولأن إيجار الليلة الواحدة للمسرح يعادل تكلفة إنتاج العرض، 60 ألف جنيه تقريبًا، اقترحت على إدارة الأوبرا، بموافقة وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، منحها ليلتي عرض دون أي حقوق مادية من شباك التذاكر. ورغم طموحها واجتهادها إلَّا أن تجربة مسرحة الفيلم الشهير خيبت آمال جمهورها، الذي تحمس في البداية وملأ المسرح الكبير منتظرًا عملًا ممتعًا ومبهرًا، ليفاجأ بمستوى عرض بدا واضحا أن المشاركين به لم ينالوا الوقت الكافي للتدريبات، كما ظهر ضعف الإنتاج في الكثير من عناصر الصورة، خاصة ملابس الراقصات، والأهم تشوش وفقر الرؤية الفنية، فمع اختصار الكثير من المشاهد ضاعت كثير من ظلال الفيلم التي تدعم الصراع الدرامي. التي يُفترض أن تعكس عالم باريس في الفترة الزمنية التي يقدمها العمل. اكتفت المخرجة بمحاكاة مشاهد الفيلم، وفق ما تسمح به إمكانيات المسرح متخلية عن فرص للإبهار في الصورة والاستعراضات مما أفقد العمل أحد أهم مميزاته "الإبهار". الفيلم يحمل اسم أشهر ملاهي باريس "مولان روج"، الذي احتفظ حتى اليوم بطابعه المميز الذي تأسس به قبل 126 عامًا، وما زال قبلة للمشاهير وما زالت راقصاته تحققن مستوى مبهرًا من الأداء المميز والإبهار، وحتى الأرقام القياسية في سرعة وإتقان الرقصات. "مولان روج" أو "الطاحونة الحمراء"، فيلم رومانسي موسيقي أسترالي أمريكي من إنتاج وكتابة وإخراج باز لورمان، بطولة نيكول كيدمان وإيوان مكريغور، ترشح للعديد من الجوائز، منها 8 أوسكار حصل على اثنتين منهم. إضافة إلى عدد من جوائز الجولدن جلوب. تدور الأحداث سنة 1899، حين ينتقل الشاعر الإنجليزي كريستيان، إلى باريس من أجل معايشة الثورة البوهيمية، ويقابل أحد العاملين بمولان روج الذي يقنعه بكتابة مسرحية موسيقية للكباريه الشهير، ويقع كريستيان في حب نجمة الكباريه ساتين. المصابة بمرض عضال. ويدور الصراع بينهما وبين الدوق مونروث، الثري الغيور الذي يعتبر ساتين إحدى ممتلكاته الخاصة. لا يمكن أن نفترض سلفًا مقارنة عرض روان بالفيلم الهوليودي الشهير لاختلاف الوسيط والإمكانيات، لكن المخرجة ضيقت الأفق الذي قدمته في عرضها؛ لأنها اختارت محاكاة مشاهد الفيلم دون محاولة تقديم رؤية فنية أو فكرية جديدة، وأن تقدم عرضها باللغة الإنجليزية، لتثير التساؤل حول نوعية الجمهور المستهدف ومفهومها عن الجمهور عامة، وهل كانت الإنجليزية تمهيد لعرضه بالخارج؟ وانشغالها بمطاردة حلم العالمية بدون مقومات حقيقية أو إتقان لعمل نال فرصة لا تسنح عادة للمخرجين الشباب لتقديم العرض على أكبر مسارح مصر، والذي في المقابل يفترض أن يحافظ على مستوى معين للعروض التي تقدم على خشبته. فلم تنشغل المخرجة بالمستوى الفني بنفس درجة انشغالها بالدعاية، فروجت له على أنه أول عرض مصري على غرار عروض برودواي. فقدت القصة الرومانسية كثيرًا من ألقها؛ بسبب عدم وضوح الصوت وعدم تمكن الممثلين من الأداء، فاتسم بعضهم بالسذاجة وانعدام التلقائية، كأنه يراجع حفظ النص، ورغم أن العرض إعداد مخرجته بمشاركة إيفان ميتزجر لتحويله من السينما إلى المسرح، إلَّا أنه احتفظ بتفاصيل القصة والمشاهد كأنه مجرد تقليد لمشاهد الفيلم مع تكثيفها واختزالها لتناسب المسرح، دون أن ينشغل من قاموا بالإعداد بتقديم معالجة جديدة أو تطوير ما قدمه الفيلم، بما فيها نفس الأغنيات لكن بأداء ممثلي العرض وغالبيتهم ليسوا من أصحاب الخبرة في الأعمال المسرحية الموسيقية، فجاء العرض تقليدًا للفيلم مفتقدًا للإبهار الذي حققه الفيلم في استعراضاته، رغم اجتهاد مصممي الاستعراضات. «روان» اعتمدت على الدعم المادي من والدتها طبيبة الأسنان، التي صممت أيضًا الملابس وأشرفت على تنفيذها وشاركت فيه، دون سابق تجربة فنية. واختارت المخرجة اختها مي الغابة، لتلعب دور البطلة ساتين تمثيلًا وغناءً، وإدوارد كوزان لدور كريستيان، ومجدي البحيري في دور "زيدلر"، وعلاء حور "الدوق". ضم العرض عددًا محدودًا من دارسي أكاديمية الفنون والباقين هواة بمن فيهم الراقصين، الذين حاولوا على مدار العرض التكيف مع طبيعة الخشبة فيما افتقد غالبيتهم اللياقة الفنية الكافية، مما حد من طموح مصممي الاستعراضات شيرين حجازي وحسام عبد الحميد، رغم اجتهادهما، خاصة في الجزء الأخير من العرض، إلَّا أن الامكانيات المتواضعة للراقصين لم تظهر جهدهم، وأثرت سلبًا على تلقي العرض الذي يفترض فيه بث البهجة والإبهار عبر الاستعراضات. كما شهد العرض مشكلات فنية كثيرة في الصوت والإضاءة وأخطاء في إغلاق الستارة والإظلام، يمكن إرجاع بعضها جزئيًّا إلى أن الفرقة لم تحظ بوقت كاف للتكيف مع المسرح، وإجراء بروفات، فبدت حركة الممثلين مضطربة عليه. أعتمد الديكور، لمحمود صبري، على تصميم رئيس ثابت لملهى مولان روج بمستويين، مستخدمًا السلالم على الجانبين والطبقة العليا لتوزيع مساحات التمثيل، فيما أفسح المساحة الأكبر للاستعراضات، واستخدم لوحات مرسومة متحركة لتغيير الصورة في بعض المشاهد، وأسفل السلالم في عمق المسرح فجوة تمثل غرفة ساتين، التي كانت أحد عناصر اضطراب العرض، ففي بعض المشاهد انعكست صورة الممثلين على مرآة غرفة ساتين المفتوحة، وفي مشاهد أخرى كانت تدور مشاهد داخلها، فيما لا يري الجمهور ساتين ومرافقيها ولا يسمع حوارهم. المخرجة قدمت ذات العرض بالإنجليزية كمشروع تخرجها الثالث من دبلومة الدراسات العليا بمعهد الفنون المسرحية قبل عامين، وقالت: إنها اختارت تقديم عمل مختلف ومبهر ورأت أن تقديم العرض بلغته الإنجليزية أقرب إلى حالته من الترجمة. تخرجت روان من المعهد العالى للفنون المسرحية بأكاديمية الفنون وتدرس حاليا الإخراج السينمائى بأمريكا، وكان آخر أعمالها مسرحية "لو عرف الشباب" تأليف توفيق الحكيم بمسرح ميامي، كما شاركت فى العديد من الفعاليات الفنية العالمية، منها برنامج المسابقات "آراب جوت تالنت".