في ظل استمرار التشكيك في جدوى الغارات الروسية على مواقع تنظيم "داعش" في سوريا، تنطلق عملية برية روسية سورية كبيرة في منطقة "ريف حماه"، عملية من شأنها أن تقلب موازين القوة بعد أن اقدم عليها الجيش السوري بدعم وتغطية جوية من المقاتلات الروسية. بعد نحو أسبوع على انطلاق الغارات الجوية الروسية فوق سوريا، بدأ الجيش السوري عملية عسكرية برية واسعة في سهل الغاب بريف حماه مدعومًا بغطاء جوي سوري روسي مشترك، أطلق عليها "من البحر إلى النهر"، وجاء قرار إطلاق العملية البرية بعد تنفيذ روسيا للغارات الأساسية في سوريا، وإبلاغ كافة الأطراف الغربية والإقليمية اللاعبة في سوريا، أن التحالف الروسي السوري ماضٍ في خطته دون توقف. ظهرت سريعًا الإنجازات الروسية السورية المشتركة على أرض المعركة، حيث تولت وحدات كبيرة من الجيش السوري خوض مواجهات في ريف حماه، مكنها من استعادة السيطرة على نحو سبعين كيلومتراً، فقد تمكن الجيش من التقدم باتجاه مرتفعات السرمانية بموازاة السيطرة على المرتفعات الغربية لجبال "الجب الأحمر" وقرية "كفر عجوز" في ريف اللاذقية الشمالي، كما تقدم باتجاه بلدة السرمانية بريف حماه، فيما تعنف الاشتباكات مع المسلحين على محور "سلمى" في "كفر دلبة" بريف اللاذقية أيضًا. في الإطار ذاته تقدم الجيش السوري في سهل الغاب، مستفيدًا من انكفاء المسلحين تحت ضغط نيرانه حول "مورك" و"كفر نبودة" و"اللطامنة" و"قلعة المضيق"، حيث أصبحت مواقع المجموعات المسلحة داخل هذا المربع وسط كماشة برية وجوية يواصل الجيش إطباقها عليهم، كما ركز الجيش السوري والمقاتلات الروسية على كل مقار القيادة ومراكز التحكم وإدارة القوات من جانب المسلحين، إضافة إلى قواعد التدريب والحشد ومخازن الأسلحة على أنواعها، وهو الأمر الذي من شانه أن يضعف المسلحين ويكسر شوكتهم. بدأ الجيش السوري تقدمه في "سهل الغاب" من "البحصة" لتأمين المنطقة أولًا، والعودة نحو المناطق التي خسرها في الأشهر الماضية ثانيًا، ومن المقرر أن يتقدم الجيش السوري من البحصة نحو حاجز "الفورو" و"الصفصافة" و"تل واسط" ليصل إلى "الفريكة" التي ستعيده مرة أخرى إلى سبعة كيلومترات جنوب جسر الشغور، وبوصول الجيش السوري إلى أطراف جسر الشغور ستغدو المعركة أكثر صعوبة، بسبب نقل الأتراك لمئات المقاتلين المسلحين في هذه المدينة، وهنا سيبدأ اول صدام مباشر بين القوات الروسية السورية والمسلحين المدعومين من تركيا. الغارات الروسية والسورية في الوقت نفسه أجبرت الطرفين على التنسيق بين أسلحة مختلفة، كما استخدم الطرفين المروحيات بشكل كثيف والتي كانت تقوم بمهمة قصف مجموعات المسلحين، واستخدام الدبابات على نطاق واسع والقنابل المضادة للآليات التي حصل عليها حديثاً فضلاً عن ارتفاع معنويات الجنود في ساحات المعارك. كشف قائد ميداني، أن غرفة التنسيق المعلوماتية العاملة الآن، تضم ضباطًا من الاستخبارات العسكرية الروسية والإيرانية والسورية، إضافة إلى فريق من الاستخبارات التابعة ل"حزب الله"، وقد تم إعداد بنك أهداف يشمل كل مناطق الشمال دون استثناء، ويجري العمل على تحديثه لحظة بلحظة، ولفت إلى أن القيادة العسكرية الروسية الموجودة في سوريا، تتلقى الأهداف المقترحة من الجانب السوري، وتعمل على توثيقها واستطلاعها ومتابعتها مع وزارة الدفاع في موسكو، حيث يُصدق على الأهداف المختارة للقصف، ثم تنطلق الطائرات في رحلة تنفيذ الغارات. تسمية العملية "من البحر إلى النهر" لم تأت دون هدف، حيث بدأت القوات الروسية هجوم على التنظيمات المسلحة من بحر قزوين، فقد كشف وزير الدفاع الروسي "سيرجي شويغو" أن "سفنا روسية قصفت مواقع داعش في سوريا من بحر قزوين، حيث أطلقت تلك السفن 26 صاروخًا عالي الدقة قطعت مسافة 1500 كلم"، وأوضح أن "4 سفن صاروخية أطلقت 26 صاروخًا مجنحًا من طراز كاليبر، أصابت 11 هدفا في سوريا بنجاح"، وأكد أن وسائل المراقبة الروسية سجلت تدمير جميع الأهداف دون أن تؤدي الغارات إلى سقوط ضحايا في صفوف المدنيين. كعادتها أمريكا حاولت التشكيك في إصابة الصواريخ الروسية لأهدافها، حيث قال مسئول امريكي أن اربعة صواريخ عابرة للقارات اطلقت من روسيا باتجاه اهداف في سوريا سقطت في إيران، وهو ما نفته روسياوإيران معًا، حيث قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال "إيغور كوناشنكوف"، "نحن لا نتحدث استنادًا إلى مصادر مجهولة، بل بالعكس نقوم بنشر صور عملية إطلاق الصواريخ وإصابة الأهداف"، وأكد أن ضربات الأسلحة الدقيقة للبنية التحتية لتنظيم "داعش" التي أطلقت من السفن الروسية أصابت أهدافها. من جهتها نفت وزارة الدفاع الإيرانية سقوط صواريخ روسية في أراضي إيران، وأضافت "الولاياتالمتحدة تحاول الضغط على روسيا وتحاول تنشيط حرب نفسية ضدها"، مؤكدة "من الممكن أن نسمع في الأيام القريبة الكثير من الأنباء المشابهة، مثل أن هذه الصواريخ كانت موجهة ضد مدنيين أو أنها لا توجه ضد داعش، إنها قوالب معلومات مجهزة مسبقا، وتدل كل هذه التصريحات على فشل الإدارة الأمريكية التي لم تتمكن من منع روسيا بدء الحرب ضد الإرهاب". حققت روسيا خلال الأيام الثلاثة الماضية نجاح وتقدم في سوريا أخفق التحالف الغربي بقيادة أمريكا المكون من 62 دولة في تحقيقه خلال أكثر سنة ونصف، وهو ما جعل أمريكا تشعر بالفشل الذريع وسبب لها إحراجًا دوليًا أمام الدول الإقليمية التي اقتنعت أخيرًا أن الإدارة الأمريكية كانت غير جادة في محاربة الإرهاب في سوريا.