تشهد خريطة الحركات الإرهابية في المغرب العربي تغيرات كثيرة في الفترة الماضية، على خلفية بروز تنظيمات متعددة قريبة في الفكر المتطرف، فبعدما كان تنظيم القاعدة المسيطر والمهيمن الفعلي على التنظيمات المتشددة في التسعينات، لكن مع ظهور تنظيم داعش الإرهابي في سورياوالعراق أصبح هناك تحول نسبي، حيث تمدد هذا التنظيم على حساب القاعدة، كان آخرها مبايعة كتيبة "الأنصار" لداعش، الأسبوع الماضي. وقبل عام تقريبًا، بدأت قيادات بالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي النقاش حول ضرورة الانضمام لتنظيم «داعش»، وفي غضون ال12 شهراً الماضية، التحقت 4 جماعات مسلحة رئيسية من القاعدة، في الجزائر بجماعة أبو بكر البغدادي، زعيم "داعش"، وخسر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، خلال عام، مواقع لصالح "داعش" الذي تمدد على حسابه، كان آخرها مبايعة كتيبة "الأنصار" للأخير. ويحسب خبراء أمنين فقدت قاعدة المغرب العربي، أبرز وأقوى كتائبها على الإطلاق، بانفصال تنظيم "الأنصار"، وتعد هذه الكتيبة، المجموعة المسلحة الرابعة التي تعلن انشقاقها عن تنظيم "القاعدة" والانضمام ل"داعش" في الجزائر، وفق بيانات متفرقة تنشرها مواقع جهادية محسوبة على التنظيم "داعش". وبدأت قصة الانشقاقات في صيف عام 2014، عندما بايع (عثمان العاصمي) زعيم جند الخلافة تنظيم داعش، وأرسل رسائل عدة، تحدث فيها عن بذل النصح لأمير تنظيمه، عبد الملك دروكدال، من أجل مبايعة "داعش"، وقال القاضي في إحدى الرسائل إن "المجاهدين الصادقين في ثغور الإسلام لا يمكنهم القتال إلا تحت راية واحدة هي راية الخلافة الإسلامية"، على حد زعمه. وتعتبر الجزائر من أكثر الدول المحاطة بالتهديدات من عدة جهات و ليس فقط على حدودها مع ليبيا، فالتنظيمات الإرهابية موجودة ومتنوعة في هذه الحدود، كما أن الوضع الأمني المتدهور شمال مالي، والحدود المغلقة مع المغرب تزيد من المخاوف الجزائرية، ويعتبر الخبراء الأمنين في الجزائر أن التهديد الليبي هو الأخطر، لانعدام مؤسسات بهذا البلد و انتشار الفوضى و الجماعات الإرهابية من القاعدة إلى تنظيم "داعش" إلى جماعات أخرى مسلحة. وقبل "الأنصار"، أعلنت جماعة تدعى "تنظيم الوسط"، وتنشط في محافظات شرق العاصمة الجزائرية، مبايعتها ل "البغدادي"، في سبتمبر 2014، وتشكيلها لجماعة أطلقت عليها اسم "جند الخلافة في الجزائر"، والتي تبنت عملية خطف واغتيال المواطنة الفرنسية، هرفي غورديل بيار، في 22 من الشهر نفسه. وأعلنت مجموعة أخرى تسمي نفسها "كتيبة أنصار الخلافة" وتنشط بمحافظة "سكيكدة" شرقي البلاد، انضمامها لتنظيم "داعش"، مطلع مايو الماضي، وفي يوليو الماضي أعلنت كتيبة تسمي نفسها "سرية الغرباء" تنشط في محافظة "قسنطينة" (شرق) ميايعتها للتنظيم نفسه، كما بث ما يسمى ب"إعلام ولاية الفرات" التابع لتنظيم الدولة مقطع فيديو دعا فيه مسلمي المغرب العربي (تونس، المغرب، الجزائر، موريتانيا، ليبيا) إلى الالتحاق بما وصفها "أرض الخلافة" (مناطق سيطرة التنظيم). وتواجه قوات الأمن الجزائرية منذ تسعينيات القرن الماضي، جماعات معارضة للنظام، يتقدمها حاليًا تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" (تأسس عام 2007 على أنقاض الجماعة السلفية للدعوة والقتال)، لكن نطاق نشاط هذه الجماعات انحصر خلال السنوات الأخيرة، في مناطق جبلية شمالي البلاد، وفي مواقع بعيدة عن المدن، فضلًا عن أن بعضها نقل تحركاته إلى مناطق شمالي مالي. ويعتقد الخبراء الأمنيين أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، فقد إحدى أهم قواعده في جبال سيد علي بوناب، وجرجرة (شرقي العاصمة الجزائرية)، ما يعني أنه خسر أكثر من 50% من قدراته، مؤكدين أن مبايعة كتائب منشقة عن القاعدة لتنظيم داعش، يُظهر أن المسلحين التابعين للقاعدة في الجزائر يعتقدون أن الانضمام للبغدادي سيجعلهم أكثر قدرة على تجنيد مقاتلين جدد لصالح النشاط الإرهابي ضد الجيش الجزائري، فضلًا عن الموارد المادية الذي يوفرها تنظيم داعش الإرهابي في العراقوسوريا من بيع النفط والآثار والذي يسفر عن دفعة قوية للانشقاق والالتحاق بداعش.