في تجاهل ملحوظ للانتقادات العديدة التي وجهها الحقوقيون والسياسيون إلى قانون الكيانات الإرهابية، منذ أن كان مجرد مشروع قانون على طاولة رئاسة الوزراء، تم إقرار قانون الكيانات الإرهابية مساء أمس، ونشر بالجريدة الرسمية ليسري العمل به بدءًا من اليوم، ولم يراعِ سوى التعديلات التي تقدمت بها نقابة الصحفيين، رغم أن مجلس القضاء الأعلى والمجلس القومي لحقوق الإنسان عارضاه أيضًا إلى جانب عدد من المنظمات الحقوقية، مؤكدين أنه يكرس لحالة طوارئ جديدة في البلاد، ويمكن استغلاله ضد أي شخص يعارض السلطة، خاصة في المواقع الإعلامية. وأصدر المجلس القومي بيانًا يرصد فيه تعلقياتهم على عدد من مواد القانون، فيما أكد عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أن قانون الكيانات الإرهابية لم يُطرح على المجلس القومي لحقوق الإنسان قبل إصداره كمشروع أو قانون يتم العمل به، مشيرًا إلى أن هذا مخالف للمادة 214 من الدستور، الذي ينص على أن القوانين الخاصة بحقوق الإنسان لابد أن تطرح على المجلس للمناقشة قبل إصدارها أو الإعلان عنها حتى مشروع قانون. وأضاف شكر: أعد المجلس تقريرًا مفصلًا قدمه للإعلام، يحمل عددًا من النقاط التي يرفضها المجلس لمخالفتها للدستور. وقد نوه المجلس القومي في بيانه السابق إلى أن الدستور قد نص على الحق في الحرية والأمان الشخصي، وذلك في المواد 51، 53، 54، 57، 58، 59، 99، وكذلك فإن الدستور قد كفل حقوقًا وضمانات للأشخاص أثناء التحقيق بموجب المواد 55، 54، 94، 95، 96، 97، 99، كما كفل الدستور وجوب محاكمة المواطن أمام قاضيه الطبيعي، بموجب المادة 204. كما كفل الدستور حق المواطن المصري في التنقل والسفر بموجب أحكام المادة 62، وكذلك كفل حرية الرأي والتعبير بموجب المواد 68،265. وأكد القانون حرية الصحافة والإعلام بموجب المواد 70، 71، ومنح المواطنين الحق في التجمع السلمي، بموجب المادة 73 من الدستور. وأوضح أن المشرع الدستوري جعل من المعاهدات الدولية، التي سبق أن انضمت إليها مصر، جزءًا من التشريع الداخلي، وكان من بين تلك الالتزامات الدولية المصرية حق الطعن في الأحكام الجنائية بطريق الاستئناف. مع تأكيد المجلس أن مواجهة الإرهاب ضرورة لاستقرار الوطن والمواطنين، غير أن ذلك يجب ألَّا يتعارض وأحكام الدستور المقررة لحقوق المواطن. من جانبه قال مينا ثابت، الباحث الحقوقي: قانون الكيانات الإرهابية كارثي بالمعنة الحرفي للكملة، مشيرًا إلى أن القانون قد حمل جملًا فضفاضة في توصيفه للعمل الإرهابي والجماعات الإرهابية، مما يتثير القلق والذعر، وأن المادة الثانية من القانون، التي تتحدث عن الأمن القومي والنظام العام أيضًا فضفاضة وغير مفهومة، مما يجعل كل الكيانات سواء الاجتماعية أو الأحزاب أو الحقوقية في خطر، إن لم تكن على هوى النظام. وأوضح ثابت إلى المادة الثامنة من القانون التي تحصن رجال الأمن والمسؤولين عن تطبيق القانون من المحاسبة الجنائية، رغم كم الانتهاكات التي ثبتت عليهم فى الفترة الأخيرة، وتلك كارثه تكرس لخروج رجال الأمن عن القانون. أما المادة التي تخص عقوبات الإرهاب، فالعقوبات مغلظة، بجانب المادة 35 التي تخص الصحافة، فهي مادة تقيد حرية الصحافة، وتجعل من الصحفي ساعي بريد أو "بوسطجي"، لا ينقل سوى ما تريده الدولة، حتى ولو كان خطأ، وتحرمه من نقل الحقيقة للناس حتى لو كانت صحيحة، فالدولة لا تريد أن تصل للرأي العام سوى ما تريده وفقط، ويجعل الإعلام رافعًا شعار "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة". وأشار إلى أن هذا القانون حلقة في سلسلة التشريعات التي صدرت عقب عزل جماعة الإخوان من سدة الحكم، وتعمل على خنق المجال العام على السياسيين والحقوقيين. فيما هاجم المحامي الحقوقي خالد علي، مرشح الرئاسة السابق، قانون الإرهاب الذي أقره الرئيس السيسي أمس، وكتب في حسابه على "فيس بوك": "ليس قانونًا لمكافحة الإرهاب، لكنه لفرض الصمت على المجتمع، ومصادرة المجال العام". وفي سياق متصل أكد الحقوقي كريم عبد الراضي، أن قانون الكيان الإرهابية الذي صدر مساء الأحد يستهدف إغلاق المناخ العام تمامًا واستغلال الحرب على الإرهاب لمصادرة الحريات، وهذا يتضح من وجود قانون الكيانات الإرهابية، الذي يتوسع جدًّا في وصفه أو تعريفه لها. وأوضح أن المادة 35 الخاصة بالعمل الصحفي، تستهدف تفريغ العمل الصحفي والإعلامي من دوره تمامًا فيما يتعلق بتغطية الأحداث الإرهابية والحقائق المتعلقة بها، وعرض وجهات النظر المختلفة على الرأي العام، مضيفًا أن الدولة لا تريد أي صوت غير صوتها، ولا أي معلومات للرأي العام غير المعلومات الصادرة منها والأرقام والبيانات التي تصدرها، وهذا يشكل اعتداءً سافرًا على حرية الصحافة من جانب، وعلى حق المواطنين في المعرفة والاطلاع من جانب آخر، مشيرًا إلى أن هذا يوضح رغبة الدولة في مواجهة الإرهاب بالحلول الأمنية فقط، وهي الحلول التي يمكن أن تطال الجميع. فيما انتقد عبد الراضي المادة 8 من القانون، التي تبيح لرجال الأمن استخدام القوة، مؤكدًا أن هذه المادة تستهدف شرعنة عنف الأجهزة الأمنية أو عنف الدولة، وتشرعن أيضًا القتل خارج إطار القانون، مع إفلات رجال الدولة الذين يتورطون في هذه الجرائم من هذا النوع من العقاب، وعدم مساءلتهم في الأساس، وهي مادة خطيرة تفتح الباب لعنف رجال الأمن، الذين سيستخدمون هذا القانون وهم مطمئنون أن القوانين تحميهم. واختتم عبد الراضي: القانون بشكل عام مقيد للحريات ويمنح الدولة سلطات واسعة جدًّا تواجه بها كل الأنشطة المتعلقة بالشأن العام، ليست فقط الإرهابية؛ بل ما هو سلمي أيضًا، ويهدر الحقوق والحريات الدستورية للمواطنين، ويكرس للدولة البوليسية الأمنية، كما أنه يكرس لإجراءات استثنائية من السهل جدًّا أن تطال الجميع.