قليل من كان يدفعهم الفقر والحاجة إلى مد اليد وطلب العون من الآخرين، لكن أن يتحول التسول إلى مهنة أعداد يصعب حصرها لكثرتها، ويختلط بها المحتاج مع غيره ممن احترف التسول حتى أصبح من أصحاب الأملاك والأرصدة بالبنوك، وربما كانت هناك تشكيلات عصابية تتسرح الأطفال بعد اختطافهم وتغيير ملامحهم ومراقبتهم وجمع ما يحصلون عليه من التسول. هناك من يأتى إلى دمياط ليس للعمل، لكن للتسول فقط، وقد طور المتسولون من أساليبهم حتى يقنعوا المانح بالجود عليهم، فينادي عليك أحدهم ولا تظهر عليه أي علامات التسول، ويخبرك بأنه غريب ومسافر وفقد أمواله ولا يريد فقط سوى أجرة السيارة حتى يذهب للمكان الفلاني، وأخرى بملابس أنيقة تطلب المساعدة لأن لديها حالة سواء ابنًا أو ابنة أو زوجًا يحتاج إلى إجراء جراحة عاجلة وهو لا يستطيع، بخلاف من يدعي المرض أو فقد عضو من جسده. وانتشرت الظاهرة باستئجار أطفال أو سرقتهم أحيانًا وربط رؤوسهم لإيهام الناس بأنهم مرضى أو أيتام، وتزداد هذه الظاهرة في شهر رمضان والأعياد والمواسم، والكثير من المتسولين يقسمون مدينة دمياط إلى مناطق ويخصص لكل منطقة يومًا يذهبون إليها، وأصبحت وجوههم مألوفة لدى المواطنين، ومنهم من يحدد لهم مبلغًا ثابتًا يحصلون عليه كلما مروا. "البديل" التقت أحد هؤلاء المتسولين الذي أكد أنه يأتي إلى دمياط في شهر رمضان والأعياد، ويعتبرها موسمًا بالنسبة له، ويقول: إنه يعرف الكثير من المتسولين لديهم أرصدة بالبنوك وأبراج سكنية، لكن لا يستطيعون ترك التسول؛ لأنه مصدر دخل ورزق بالنسبة لهم. ويتابع: وهناك عصابات تختطف الأطفال وتدربهم على التسول ويطلقونهم في الشوارع ويراقبونهم عن كثب حتى لا يهرب منهم أحد. يضيف عامر: كنت أعمل في ورشة عند ميكانيكي، وبكثرة الضرب والتعب وسوء معاملة الأسطى تركت الورشة، ويوم ما سبتها كنت جعان جدًّا، طلبت من واحد فلوس أجيب سندوتش فأعطانى 2 جنيه، ودي كانت البداية، وفضلت على كدا، وكل يوم اتشجع لما بقت بالنسبة لي شغلي اللى بكسب منه، وربنا بيرزق ويمكن يجيلي 100 جنيه فى اليوم، ويمكن 200 في بعض الأيام، وأنا أعرف ناس بتكسب كويس جدًّا؛ لأن عندها أساليب تعتبر نصب، لدرجة إن فيهم اللى بيأجر عربية وميكروفون ويمشي يلف على المحلات والمعارض ويقول إن عنده مريض ومحتاج عمليات كبيرة وعلاج وكلام من ده، واحنا لو حسبنا الموضوع نلاقي إن العربية بتاخد في اليوم 300 جنيه غير تمن الجاز بتاعها، يبقى هو كسب كام لما هيكلف العربية بس حوالي 400 جنيه، طبعًا الموضوع مربح جدًّا بالنسبة له. هناك أيضا شريحة من المتسولين يستوطنون القطارات ووسائل المواصلات وتحمل الواحد منهم عدة روشتات وتقارير طبية، وعليها أختام، ويحفظ عدة جمل يكررها بانتظام عن أنه مصاب بمرض ويحتاج إلى علاج، وربما لو صحت إصابته بشيء قليل، مما يدعي لما استطاع الوقوف على قدمية فضلًا عن اللف طوال اليوم. يقول خالد مندور، تربوي: الخطورة في انتشار ظاهرة التسول بدمياط تتلخص في أن كل المتسولين من خارج المحافظة، وبعد مدة في احتراف التسول، يتحول أكثرهم إلى سارقين، بعد أن يألفوا الورش والبيوت ويحفظون الشوارع والأشخاص، وهذا حدث بالفعل، ومقاومة هذا المد من المتسولين صعب جدًّا؛ لأنهم منتشرين بصورة مستفزة، وللأسف لا يوجد قانون يكافح هذه الظاهرة، التي تفشت بصورة مخيفة، ويضيف كان زمان المتسول له صورة ذهنية معينة، حد ملابسة رثة وتظهر عليه علامات الحاجة، لكن الآن أصبحنا نرى نساءً وفتيات قمة في الشياكة؛ ملابس محترمة ويطلبون المساعدة بطريقة مباشرة من أفراد معينين، بمبالغ كبيرة لأسباب مختلفة، وأكيد فيه ناس كتير بتستجيب لهم. يقول محمد .م.أ. موظف بالشؤون الاجتماعية بدمياط: حصر أعداد المتسولين بدمياط شيء صعب جدًّا؛ لأن أعدادهم دائمًا في ازدياد، خاصة في مواسم رمضان والأعياد، واختلاف وأصبحت مهنة يتربحون منها الكثير ويتاجرون بأولادهم وأولاد غيرهم، أيضًا قانون مكافحة التسول غير مفعل تمامًا، مما أدى إلى استئجار العديد منهم سيارة وميكروفونًا ويتسول علنًا، ولو كان يعلم أن هناك عقوبة رادعة لما فعل ذلك. ويقول الشيخ محمد الصاوي، أحد علماء الأزهر: انتشار ظاهرة التسول علامة كبيرة على بعد الناس عن دين الله وعدم الالتزام بتعاليم الإسلام؛ لأن النبي "صلى الله عليه وسلم" أكد أن أكل المسلم من عمل يده من قواعد الدين، وحارب التسول لما جاءه أحد الصحابة يطلب المساعدة فسأله النبي ماذا تملك؟ فقال حصيرة ووعاءً، فطلب منه أن يأتي بهم وباعهم النبى وطلب منه أن يشتري قادومًا ويذهب إلى الجبل ليحتطب وينفق على أهل بيته من عمل يده، وقال صلى الله عليه وسلم "لأن يعمل أحدهم ويأكل من عمل يده خير له من أن يسأل الناس فهذا يعطيه وهذا يمنعه" فليس كل سائل يستحق أن يأخذ، وعلى أصحاب الأموال تحري المحتاجين حقًّا لأن الكثير من المحتاجين لا يخرج من بيته ولايسأل الناس. ويضيف عبد الرحمن جمال، تاجر موبيليا: هناك أخطار كبيرة تهدد المجتمع بسبب تفشي ظاهرة التسول، ولابد من تفعيل قانون مكافحة التسول، والضرب بيد من حديد على من يضبط يتسول ويتم عمل تحريات عنه وعن أملاكه، ومصادرة كل ما يملك لصالح الدولة؛ لأنه اكتسبها بالخداع والكذب وبدون وجه حق، حتى يكون رادعًا لمن يريد أن يمتهن التسول. ويضيف: رغم أن الكثير شكر مدير أمن دمياط لأنه أطلق سراح شخص كان يتسول أمام مول الصفوة على كورنيش النيل بدمياط؛ ومعه، وشك الناس أنه مخطوف فأبلغوا الشرطة التي ألقت القبض على المتسول وثبت أن الطفل ابنه بالفعل، وأنه يأتى إلى دمياط في رمضان للتسول، ومع ذلك أطلق مدير الأمن سراحه بدعوى حرصه على الطفل، وتعهد الرجل بعدم العودة إلى دمياط، لكن كان يجب أن يعاقب بحسب القانون؛ لأنه لن يرتدع ولن يترك التسول وسيكبر الطفل ويصبح متسولً أيضًا، فيجب الاعتناء بأطفال الشوارع واستيعابهم في المؤسسات الحكومية وتأهيلهم للاندماج في المجتمع وتعليمهم مهنًا يعيشون منها بدلًا من تركهم فريسة لعصابات خطف الأطفال.