في بيان لوزير الموارد المائية المصري السابق محمود أبو زيد، حول أزمة المياه في الوطن العربي بتاريخ 11 مارس2009، حذر من تزايد النفوذ الأمريكى والإسرائيلي في منطقة حوض النيل من خلال "السيطرة على اقتصاديات دول الحوض، وتقديم مساعدات فنية ومالية ضخمة" بحسب تعبير. وبالفعل تم طرح فكرة "تدويل المياه" أو تدويل مياه الأنهار من خلال هيئة مشتركة من مختلف الدول المتشاطئة في نهر ما، وكان الهدف منه هو الوقيعة بين مصر ودول حوض النيل، وقد صرحت مصر بأنها ترفض هذا المشروع من خلال إشارتها إلى وجود مخطط إسرائيلي– أمريكي للضغط علي مصر لإمداد تل أبيب بالمياه بالحديث عن قضية "تدويل الأنهار"، وأكد أن إسرائيل لن تحصل علي قطرة واحدة من مياه النيل. وخطورة الخلاف الحالي بين دول منابع النيل ودول المصب هو تصاعد التدخل الإسرائيلي في الأزمة عبر إغراء دول المصب بمشاريع وجسور وسدود بتسهيلات غير عادية تشارك فيها شركات أمريكية، بحيث تبدو إسرائيل وكأنها إحدي دول حوض النيل المتحكمة فيه أو بمعني آخر الدولة "رقم 11″ في منظومة حوض النيل، والهدف بالطبع هو إضعاف مصر التي لن تكفيها كمية المياه الحالية مستقبلا بسبب تزايد السكان، والضغط علي مصر عبر فكرة مد تل أبيب بمياه النيل عبر أنابيب، وهو المشروع الذي رفضته مصر عدة مرات، ولا يمكنها عمليا تنفيذه حتي لو أرادت لأنها تعاني من قلة نصيب الفرد المصري من المياه، كما أن خطوة كهذه تنافى ثوابت الدولة المصرية حتى ولو تم إغراء العدو بها في فترات ما بعد معاهدة السلام. الدور الإسرائيلي الداعم لمشروع السد: تطمع إسرائيل في أن تكون لها بصورة غير مباشرة اليد الطولى في التأثير على حصة مياه النيل الواردة لمصر وبدرجة أقل السودان؛ وذلك كورقة ضغط على مصر للتسليم في النهاية بما تطلبه إسرائيل، وللخبراء الصهاينة لغة في مخاطبة السلطات الإثيوبية تتلخص في ادعاء خبيث يقول إن حصص المياه التي تقررت لبلدان حوض النيل ليست عادلة لأنها تقررت في وقت سابق على استقلالها، وأن إسرائيل كفيلة أن تقدم لهذه الدول التقنية التي تملكها من ترويض مجرى النيل وتوجيهه وفقاً لمصالحها. وعلى هذا خصصت إسرائيل مساعدات لإثيوبيا لإقامة السدود وغيرها من المنشآت التي تمكنها من السيطرة والتحكم في مياه النهر، ورغم أن كل العواصم المعنية بالأزمة بدءا من أديس أبابا مرورا بالقاهرة تدرك أغراض إسرائيل من هذا الدعم إلا أنها تغض الطرف وتكتفى بتحديد المشكلة مع الطرف الآخر. والاحتمال الأرجح هو (تورط) إسرائيل بالمشاركة في مساعدة إثيوبيا في إنشاء السدود على النيل الأزرق، ويبدو أن الدور الإسرائيلي قد بدأ ينشط في السنوات الخمس الماضية، إذ بدأت سلسلة نشطة من الاتصالات مع دول منابع النيل خصوصا إثيوبيا، وتمثل عمق العلاقات بزيارة رئيس وزراء إثيوبيا زيناوي، لتل أبيب في أوائل يونيو 2004، كما لعبت إسرائيل دور الداعم والمحرض لأوغندا لتعلن رفضها اتفاقية مياه النيل القديمة المبرمة عام 1929 بين الحكومة البريطانية -بصفتها الاستعمارية- نيابة عن عدد من دول حوض النيل (أوغنداوتنزانياوكينيا) والحكومة المصرية، وكان هذا الاتفاق يتضمن إقرار دول الحوض بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وإن لمصر الحق في الاعتراض (الفيتو) في حالة إنشاء هذه الدول أي سدود علي النيل. ومع أن هناك مطالبات منذ استقلال دول حوض النيل بإعادة النظر في هذه الاتفاقيات القديمة، بدعوى أن الحكومات القومية لم تبرمها ولكن أبرمها الاحتلال نيابة عنها، وأن هناك حاجة لدى بعض هذه الدول خصوصًا كينياوتنزانيا لموارد مائية متزايدة؛ فقد لوحظ أن هذه النبرة المتزايدة للمطالبة بتغيير حصص مياه النيل تعاظمت في وقت واحد مع تزايد التقارب الصهيوني من هذه الدول وتنامي العلاقات الإفريقية مع الصهاينة. وعلي هذا عادت المناوشات بين دول حوض النيل للظهور خاصة بين مصر وتنزانيا، وانضمت إلى هذا المبدأ أوغنداوكينيا، وطلبت الدول الثلاث من مصر التفاوض معها حول الموضوع، ثم وقعت تنزانيا مع رواندا وبوروندي اتفاقية نهر كاجيرا عام 1977 التي تتضمن بدورها عدم الاعتراف باتفاقات 1929، بل وطلبت حكومة السودان بعد إعلان الاستقلال أيضًا من مصر إعادة التفاوض حول اتفاقية 1929, كذلك أعلنت إثيوبيا رفضها لاتفاقية 1929 واتفاقية 1959. وكان الصراع على مياه النيل مدفونا في التاريخ، فمنذ حكم الإمبراطور في إثيوبيا، ثم النظام الماركسي "منجستو"، وحتى النظام الحالي، كان حلم السد يراوض الأنظمة الحاكمة لدول المنبع، وكان أول تحرك فعلي لها عندما سعت إثيوبيا عام 1981 لاستصلاح 227 ألف فدان في حوض النيل الأزرق بدعوى "عدم وجود اتفاقيات بينها وبين الدول النيلية الأخرى"، كما قامت بالفعل عام 1984 بتنفيذ مشروع سد "فيشا" -أحد روافد النيل الأزرق- بتمويل من بنك التنمية الإفريقي، وهو مشروع يؤثر على حصة مصر من مياه النيل بحوالي 0.5 مليار متر مكعب، وتدرس 3 مشروعات أخرى يفترض أنها سوف تؤثر على مصر بمقدار 7 مليارات متر مكعب سنويًّا. أيضًا أعلنت كينيا رفضها وتنديدها -منذ استقلالها- بهذه الاتفاقيات القديمة لمياه النيل لأسباب جغرافية واقتصادية، مثل رغبتها في تنفيذ مشروع استصلاح زراعي، وبناء عدد من السدود لحجز المياه في داخل حدودها، وكانت جبهة السودان هي الأهم، لأسباب عدة في مقدمتها أنها تمثل ظهيرا وعمقا استراتيجيا لمصر التي هي أكبر دولة عربية، وطبقا للعقيدة العسكرية الإسرائيلية فإنها تمثل العدو الأول والأخطر لها في المنطقة، ولذلك فان التركيز عليها كان قويا للغاية. وبالفعل بدأت تلوح في الأفق مناوشات بين دول حوض النيل (10 دول) للظهور مرة أخرى، ولكن تلك المرة كانت بصمة التدخل الصهيوني واضحة بزعم أن الاتفاقيات المائية المبرمة في عهد الاستعمار (اتفاق 1929 بين مصر وبريطانيا لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فكتوريا) التي تعطي الحق لمصر أن توافق أو لا توافق على أي مشروع يقترحه أي طرف من أطراف دول حوض النيل للاستفادة من المياه لم تعد ملزمة لدول منابع النيل، ولم تكن إثيوبيا بحاجة لهذا التدخل الصهيوني فهي رفضت اتفاقية 1929 واتفاقية 1959 في جميع عهودها السياسية منذ حكم الإمبراطور ثم النظام الماركسي وحتى النظام الحالي، بل وسعت عام 1981 لاستصلاح 227 ألف فدان في حوض النيل الأزرق. وقد حظيت إثيوبيا باهتمام خاص من إسرائيل، لأنها تمتاز بميزات سياسية وجغرافية وعسكرية وأمنية فريدة في نوعها؛ إضافة إلى كونها تعتبر نفسها قلعة في محيط إسلامي لا زال يموج بالصراعات والأزمات، ولا يزال يواجه أنماطا عديدة من العنف والأزمات المتعددة مما يجعلها المفتاح للتغلغل في إفريقيا وخلخلة الأمن المصري. كما تعد العلاقات التجارية بين إسرائيل ودول الحوض أحد أهم المؤشرات على تنامي المصالح الاقتصادية الإسرائيلية في المنطقة، حيث تظهر الأرقام تضاعف الصادرات الإسرائيلية إلى إثيوبيا منها أكثر من 30 مرة خلال السنوات القليلة الماضية، وتشهد العلاقات الإسرائيلية تطورًا متزايدًا خاصة في إثيوبيا والكونغو الديمقراطية، والتي شهدت في السنوات الأخيرة انتعاشًا في إقامة الغرف التجارية المشتركة، والمنح في مجالات الصحة والتعليم والتدريب، هذا وخصصت الحكومة الإسرائيلية أحد المراكز المتخصصة بوزارة الخارجية، لتقتصر مهامه على تعميم وتطبيق التعاون الإسرائيلي- الإفريقي. وعلى هذا، فقد وقعت حكومة إسرائيل اتفاقيتين، إحداهما مع جنوب السودان وإثيوبيا، تتعلق بتوزيع الكهرباء التي سيتم إنتاجها من سد النهضة، وقد بدأت بإنشاء خط لنقل الكهرباء إلى كينيا، وخط آخر إلى جنوب السودان، موضحًا أن عقود توزيع الكهرباء تُظهر أن إسرائيل جزء أساسي من عمليات وسياسات التشغيل بسد النهضة، وتهدف إسرائيل من خلال تغلغلها في إفريقيا إلى استكمال خطة الطوق الإفريقي (جنوب السودان، كينيا، إرتيريا، إثيوبيا) عبر آليات عدة منها شراء العدد الأكبر من السندات في سد النهضة، والتعامل مع مصر من خلال الطوق الإفريقي، وإيجاد آليه للتعاون مع الصين التي تملك الكثير من الشركات والمصالح، وإغراق مصر في المشكلة وابتزازها في المواقف السياسية.