إنها المنطقة الأكثر تناقضًا، عمارات شاهقة وناطحات السحاب، تجاورها منازل متهدمة، الكورنيش على بعد خطوات، والموقع في حد ذاتها مغرٍ تمامًا بتميزه وتفرده، لذا فإنها كانت وما زالت مطمعًا لكثير من رجال الأعمال؛ كونها تقع في وسط العاصمة، إلا أن أهلها ما زالوا يصرون على التمسك بالبقاء فيها رغم سقوط المنازل وتهدم الجدران على سكانها. «استيقظتُ في السادسة والثلث صباح أول من أمس السبت، على صوت شديد يهز أرجاء الغرفة، تحسست حولي فإذا بحوائط السقف تتهاوى على رأسي، لم أرَ أي شيء حولي لشدة الغبار المتصاعد في أرجاء الغرفة، لم أشعر إلا بيد تجتذبني من غرفة النوم إلى الشارع. خرجت فإذا بكل سكان المنطقة قد تركوا بيوتهم، كان المشهد أشبه بسوق الخضار، أطفال يصرخون.. كبار وصغار يتهكمون، من آثار الدمار الذي لحق بالبيوت التي تحطم أغلبها بفعل الانفجار الذي ضرب القنصلية الإيطالية، ظللنا على هذا الوضع طوال اليوم ونحن في الشارع، خائفين من دخول البيوت التي من الممكن أن تسقط في أي لحظة».. هكذا يروي عم طارق أبو العلا، أحد سكان منطقة الإسعاف ل"البديل" عن معاناتهم من آثار انفجار القنصلية الإيطالية. يضيف: "عمرى 77 عاما، تربيت في هذا المكان، وأنجبت أسرة من 7 أفراد، ما أقدرش أسيب المكان ده وأروح في أي مكان تاني؛ لأن المعاش 360 جنيها بالضمان، وأقل إيجار دلوقتي لا يقل عن 350 جنيها، يعني المعاش يروح للإيجار"، متابعا: "كان اهتمام المسئولين بالسفارة واضحًا أكثر من الاهتمام بالسكان الذين انتقلوا من الأماكن التي تؤويهم إلى الشارع، ظللنا على ذلك الوضع ننتظر أحد المسئولين أن يمن علينا، لكن في النهاية كان نواب المحافظين ورئيس الحي هم من حضروا للأهالي، وقاموا بتدوين أسماء المتضررين من ذلك الانفجار، بعد أن وعدوا بأن لجنة سوف تأتي غدًا (أمس) لدراسة الأماكن التي تصلح للسكن من عدمها وإلى الواحدة ظهرًا لم يحضر أحد". "لازم يكون لينا سكن قريب، علشان إحنا مش هنسيب المكان إلا لما يكون لينا سكن محترم، ومش بعيد زي ما كانوا بيقولوا في أكتوبر اللي فيها بلطجية بيعتدوا على السكان".. حديث بادرتنا به نجلة عم طارق التي بلغت الخمسين، قائلة "ما حدش جالنا من المسئولين غير نائب المحافظ وكام واحد كدة، وقالوا هنعمل اللازم، وما فيش حاجة حصلت لحد الوقتي". ناجي خلف، أحد أصحاب الورش ببولاق أبو العلا، ومتضرري الانفجار، قال إن جميع المسئولين الذين حضروا بالأمس لمعاينة الانفجار الذي وقع بالقنصلية الإيطالية كان اهتمامهم الأول بها وبالكوبري، وليس بسكان المنطقة، وأضاف "زي ما تقول الناس دول بيقولوا لنا مش عايزين تمشوا بقي، طب إحنا هنمشيكم"، وتابع "قالوا هنبعت نجيب لكم اللودر علشان ننضف آثار التدمير، لكن ما حدش جه لحد الوقتي"، وأكمل "ما حدش حاسس بينا، إحنا طول النهار قاعدين في الشارع، وأكل عيشنا ومصالحنا موقوف". واستطرد: "كل الأطفال والنساء والرجال كانوا في الشارع بعد الانفجار، وطول النهار كان الشارع ملجأ الجميع"، متسائلاً "إيه دنب الناس دي؟ وليه الناس اللي بتفجر الأماكن بتعمل كدة؟ يعني هي القنصلية دي مين اللي بيقف يحميها غير عسكري مصري؟"، وأضاف أن "الهم الذي يحاصر أهالي المنطقة هو أن تلك المنازل على وشك الانهيار، ونعرف مصير الأهالي المتضررين من الحادث الأليم". وقال عيد عبد العزيز، أحد أصحاب الورش بمنطقة بولاق أبو العلا "تلقيت اتصالاً صباح أمس أن فيه قنبلة عند القنصلية، جينا لقينا الناس كلها في الشارع، والمحلات كلها متهدمة، والناس اللي جت من المحافظة كلهم بيسألوا الناس عن اسمهم ودي شقتهم، ويعاينوا وما فيش أي حاجة بتحصل، وإحنا هنا من امبارح وما حدش جه لحد الوقتي يشوف الناس دي هتروح فين". وأضاف "إحدي السيدات سقط الشباك على رأسها ولم يأتِ لحد لنجدتها، لأن كل المسئولين كانوا عند القنصلية، يعني كل حاجة كانت شكلية، قاعدين من الصبح وما حدش جه قال لنا يا جماعة تعالوا نسكنكم في مكان لحد ما نشوف حل للمشكلة"، وتابع "نطالب الحكومة أن تلقي نظرة على الأضرار التي وقعت على أهالي تلك المنطقة، خاصة أن تلك المنطقة عليها مشاكل منذ فترة ولم يتم الوصول إلى حل لها حتى الآن".