بعد ساعات من معارك الشيخ زويد قبل ثلاثة أيام، سارع مسئولين ومحللين إسرائيليين إلى ربط تنظيم "الدولة الإسلامية-ولاية سيناء" الإرهابي بحركة حماس، وذلك اتساقاً مع إستراتيجية إسرائيل التي تكونت العام الماضي حيال الظاهرة الداعشية، والتي حتى اللحظة لم تهدد أمن الكيان الصهيوني برصاصة واحدة، وتجاوزاً لتعقيدات الخارطة الجيوسياسية في المنطقة العام الماضي، اختارت تل أبيب كعادتها استثمار ما يحدث حولها سياسياً وأمنياً عشية إعلان الإدارة الأميركية عن إستراتيجية محاربة داعش، سواء لمزيد من الدعم الأميركي الاقتصادي والأمني، أو فرصة للتقارب أكثر مع محيطها الجغرافي من الدول العربية خاصة الأردن ومصر، وانطلاقاً من رؤية إسرائيل التي حددها رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الخاصة بحصر الصراع الحالي في قالب طائفي، أي متشددين سُنة ضد متشددين شيعة، بما يتضمن ذلك الخلط بين ما هو مقاوم مثل حزب الله وحركة الجهاد وحركة حماس، حتى بعد ما لحق بخطها السياسي من عوار في السنوات الماضية، وبين ما هو إرهابي مثل القاعدة بفرعها في الشام جبهة النُصرة، أو تنظيم "الدولة الإسلامية، اللذان أحجما حتى اللحظة عن مهاجمة الكيان، بل أن التنظيم الأول يبدى تعاون مع حكومة تل أبيب. اقرأ: أفق الشراكة بين "إسرائيل" والمعارضة "المعتدلة" والاستفادة من التحالف ضد "داعش" وبالعودة إلى سيناء، وعلى ضوء المحددات السابقة، فأنه بعد حادث كرم القواديس الإرهابي في أكتوبر من العام الماضي ، وقبله حادث الفرافرة، الذي جاء كانتقام من الإرهابيين بعد مقتل أحد قادتهم في غارة جوية قالوا أنها بطائرات جوالة إسرائيلية، وبالتوازي مع التأزم المتصاعد بين حركة حماس وبين النظام المصري على خلفية موقف الحركة من ثورة الثلاثين من يونيو، وضعت القاهرة حركة حماس أمام خيارين لا ثالث لهما؛ التعاون من أجل محاربة الإرهاب في سيناء وقطع ومحاصرة كل روافده وخطوط دعمه القادمة من غزة، سواء بعلم أو بدون علم الحركة التي تسيطر على القطاع، ووضعها أمام مسئولية ذلك الأمر. وإلا تستمر القاهرة في سياستها الضاغطة تجاه الحركة وقطاع غزة ككل، وما يتضمن ذلك من إغلاق معبر رفح والتضييق على قادتها، واعتبرها حركة إرهابية، وقبل كل ذلك نفض يدها من دور الوسيط الفاعل في مفاوضات التهدئة بين الحركة وإسرائيل، بعد الحرب الأخيرة التي شهدت عثرات سياسية وتفاوضية بسبب التعنت البادي من كل من الحركة والقاهرة، ليس فقط بسبب الموقف من الثلاثين من يونيو، ولكن أيضاً لأن قطاع غزة ككل وقع بين رحى تصارع كل من المحور التركي-القطري-الإخواني وبين المحور المصري-السعودي، وخاصة أن السعودية في ذلك الوقت وقبل وفاة الملك عبدالله كانت تؤيد توجه القاهرة لسحق ما تبقى من نفوذ لجماعة الإخوان وبالتالي معاداة الدول الداعمة له. وقبل تفكيك تعقيدات المشهد السابق لمحاولة الوصول إلى شكل وتوصيف العلاقات بين القاهرة وحركة حماس، وبالتالي مدى ارتباط حماس بما يحدث في سيناء منذ عامين، يجب الإشارة إلى أن السطور التالية معنية بالتطرق حصراً للتكتيك السياسي الحالي في إستراتيجية العلاقات بين القاهرة وحماس، لا التطرق ومناقشة الجذور الفكرية للحركة ومدى ارتباطها بالإخوان، ولا الفارق بين إيديولوجية الإخوان وإيديولوجية داعش والتنظيمات التكفيرية المثيلة له، كذلك بعيداً عن مسألة تأييد السمت العام من جمهور الإخوان والسلفية الجهادية لظاهرة داعش وأسباب ذلك. الواقع أن بمراجعة التسلسل الزمني لعلاقة القاهرة بحركة حماس عقب الثلاثين من يونيو 2013 فأن هناك ثلاث تطورات غير مسبوقة في شكل العلاقات بين الدولة والحركة منذ نشأة الأخيرة، أولهما كما ذكرنا أعلاه تأزم نتج عن موقف الحركة باعتبارها تنتمي لنفس الحظيرة الفكرية لجماعة الإخوان، وكذلك باعتبارها جزء من المحور التركي-القطري- الإخواني، ثاني التطورات هو الحرب الأخيرة على القطاع، واقتناع الطرفين في غزةوالقاهرة بأن استمرار القطيعة والعداء ليس في صالح أي منهما، فحماس وجدت أن لا تهدئة مع إسرائيل إلا بواسطة مصرية، والقاهرة وصلت إلى نتيجة إذا تخلت عن غزة بالمعنى السياسي فأن ذلك يفتح الباب أمام أعداءها في أنقرة والدوحة لملأ هذا الفراغ الذي سببته. التطور الثالث والأهم، هو ما نقل حالة التعامل تحت بند الاضطرار إلى التعاون من أجل احتياجات مشتركة، فمن ناحية حركة حماس لا تستطيع احتمال إغلاق معبر رفح بشكل دائم، وكذلك يضرها إغلاق مكاتبها وحظر نشاطها في القاهرة، ناهيك عن صدور حكم باعتبارها حركة إرهابية، وقبل هذا وذاك فأن حماس خسرت كل تحالف منطقي في المنطقة منذ 2011 من سوريا إلى إيران مروراً بلبنان لحساب التقارب والتماهي مع قطر وتركيا ونظام الإخوان في مصر، وبتغير المعادلة الإقليمية في يونيو 2013، في مصر أولاً، وفي لبنانوسوريا ثانياً، أصبحت الحركة مطالبة أمام ضغط داخلي وإقليمي أن تعدل بوصلتها من جديد نحو الالتزامات الوطنية الفلسطينية، التي نُحيت لحساب الارتباطات الايدولوجية والشخصية منذ 2011، وهو ما لزم مد أواصر علاقات جديدة مع نظام جديد في القاهرة، حتى ولو كانت هذه العلاقات في حدها الأدنى، فأنها ستكون أفضل من قطيعة ستعود عليها بالأسوأ، والأهم من ذلك، هو تمدد خطر داعش إلى غزة نفسها، بعد صدام مسلحي حماس بمسلحي داعش في مخيم اليرموك في سوريا، واستعداء الأخيرة للحركة منذ ذلك الوقت على نحو عملي طيلة شهور ماضية شهدت محاولات خلق تمركز لداعش في غزة. أما من ناحية القاهرة، فالأخيرة وكاختيار منطقي تفضل أن تتعاون حماس معها لضبط الحدود والتهريب وخصوصاً تهريب الأسلحة وانتقال التكفيريين من وإلى غزة بدلاً من الإرغام بالقوة وما كان سيترتب عليه من سلبيات داخلية وإقليمية تؤكد بعض من دعاية المحور الإخواني عن نظام عبد الفتاح السيسي، وهو ما حدث فعلاً عقب اعتداء كرم القواديس، وإقرار الحكومة والجيش في مصر لخطة أمنية بخلق منطقة عازلة وتضييق المساحة على الإرهابيين وحصرهم في مثلث رفح، الشيخ زويد، العريش، وطبقاً لهذه الخطة الأمنية فأن سد الثغرة الوحيدة المفترضة في هذا المثلث وهي مسألة الأنفاق المتواجدة على طول الحدود مع غزة أمر حيوي، وهو ما تم فعلياً منذ بداية العام الجاري، حيث شدد حماس من رقابتها على الحدود ونشرت عناصرها الأمنية بالتوازي مع عمليات القوات المسلحة المصرية في هدم الأنفاق والمنازل في رفح المصرية، بالإضافة إلى تعاون أمني معلوماتي شمل تسليم حماس قوائم بمعلومات عن العناصر التكفيرية، وذلك بموازاة تدريجية من جانب القاهرة، بدأت بتخفيف الخطاب الإعلامي المعادي للحركة، وكذلك الخطاب المعادي للنظام من قنوات محسوبة على حماس، ثم إسقاط الحكم القضائي القاضي باعتبارها تنظيم إرهابي، ورفع الحظر عن دخول قادتها إلى الأراضي المصرية، وقبل كل ذلك فتح معبر رفح وتمديد مدة عمله. إذن وطبقاً لهذا التسلسل، فأن العلاقة بين حماس والقاهرة في مرحلة انفراج لا تعقيد، انفراج أكبر دلالاته كانت الشهر الماضي، وهي عودة الاجتماعات الأمنية بين مسئولين في الحركة والمخابرات المصرية، ليس فقط فيما يخص مفاوضات التهدئة مع إسرائيل بوساطة مصرية، ولكن أيضاً شملت التعاون الأمني لمواجهة خطر داعش في سيناء وعلى غزة، وبالتالي كان من الطبيعي أن يكون رد فعل القاهرة عقب معارك الشيخ زويد الأخيرة ومن خلال الإعلام تجنب إلقاء اللوم كالمعتاد على مسألة الأنفاق وحماس بالنسبة للأسلحة والمعدات التي استخدمها مسلحي داعش، فبدأ الحديث ولأول مرة عن أسلحة قادمة من ليبيا، وتحول الخطاب الإعلامي الرسمي والخاص في مصر إلى مكاشفة بحقيقة العدو في سيناء وعدم ربطه بمعركة الدولة المصرية ضد الإخوان، بعبارة مختصرة لم تصدر أي أشارة رسمية من القاهرة تحمل حماس جزء من مسئولية ما حدث، بل على العكس أتت الدلالات والإشارات عكس ذلك. الطرف الوحيد الذي حاول ربط ما حدث مؤخراً في سيناء بحركة حماس هي إسرائيل، وذلك بإدعاء دون دليل على وجود ارتباط عضوي بين كوادر الحركة وبين داعش، وهو الأمر الغير منطقي سواء من الناحية السياسية أو الفكرية، فمرجعيات ومشروع الاثنين متضادين، بل أن مشروع خلافة داعش يقوم على نفي أي مشروع مخالف وحتى ولو كان إسلامي، بل أن الأولوية من الناحية الفكرية لداعش هي محاربة المخالفين له من الفصائل ذات المرجعيات الإسلامية الأخرى، ولنا في الصراع مع القاعدة وجبهة النُصرة خير مثال، وهنا يُطرح السؤال التقليدي: من المستفيد من ربط إجرام داعش بحركة حماس حصراً؟ الإجابة تشير إلى إسرائيل التي نفرت الإشارة بأصابع الاتهام إلى الحركة حتى مع تجنب الطرف الأصيل -الحكومة المصرية- الإشارة إلى ذلك، وذلك يشي بتساؤلات عدة، سواء متعلقة بمراد تل أبيب توسيع تعاونها مع القاهرة في سيناء خارج إطار اتفاقية السلام الموقعة بين البلدين، توسع نحو تفاهم أو اتفاق جديد من نوعه لمكافحة الإرهاب، على غرار الذي وقعته حكومة عمان مع حكومة تل أبيب العام الماضي، كإجراء ثنائي من الدولتين لمواجهة خطر داعش أسمياً، بعيداً حتى عن أي تكتل دولي أو إقليمي لمواجهة تمدد ما يسمى بخلافة تنظيم "الدولة الإسلامية"، أو بتوجيه دفة التساؤل حول سبب تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء بعيداً عن اتفاقية السلام وسلبياتها بالنسبة لمصر، وفوائدها بالنسبة لإسرائيل.ً موضوعات متعلقة: