في الوقت الذي تشير فيه أغلب التقارير عن قرب عودة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين أمريكاوكوبا، لاسيما مع إعلان الجانبين عن فتح سفارة لكل منهما في عاصمة البلدين، تثير هذه الانفراجه سؤالًا مهما وهو ما الأسباب التي دفعت البلدين لإعادة العلاقات التي ظلت مقطوعة طيلة 54 عامًا. منذ عام 1977، فتحت الولاياتالمتحدةوكوبا بعثتين دبلوماسيتين باسم "قسم رعاية مصالح" في عاصمتي البلدين تحت الحماية القانونية السويسرية، إلا أن هاتين البعثتين لم يكن لهما وضع سفارتين. وتعد خطوة فتح السفارات، أحدث معلم في عملية تذويب الجليد في العلاقات بين أمريكاوكوبا، وكانت هذه العملية قد بدأت بمفاوضات سرية، ثم اُعلن عنها رسميا في شهر ديسمبر الماضي، وفي شهر أبريل التقى الرئيس الأمريكي أوباما بنظيره الكوبي راؤول كاسترو لإجراء أول مباحثات رسمية بين زعماء البلدين منذ أكثر من نصف قرن، وبعد شهر من هذه المباحثات، رفعت أمريكا اسم كوبا من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ثم أعلنت خطط تتعلق بخدمات النقل الجوي وبالعبارات بين أمريكاوكوبا. بالعودة للتاريخ قليلًا سنري أن المصالح المشتركة جمعت واشنطن وهافانا قبل أن تطفو على السطح الحركات الاستقلالية في البلدين، ودائما ما كانت تنظر الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى كوبا على أنها الجزيرة الصغيرة التي يمكن شراؤها رسميًا بالمال كما الحال في ولاية ألاسكا، خاصة وأنه يمكن للناظر من سواحل فلوريدا أن يرى بالنظارة المعظمة كوبا، وفي كل الأحوال مثلت الاستثمارات الأمريكية نصيب الأسد في الداخل الكوبي، غير أن العلاقات تدهورت بشكل جذري عقب قيام الثورة الكوبية عام 1959، وبخاصة بعد أن سلك الزعيم الكوبي «فيدل كاسترو» طريقا حليفا وصديقا للاتحاد السوفييتي. بلغت قمة المأساة في العلاقات بين البلدين بحلول عام 1961، عندما فشلت عملية غزو خليج الخنازير التي حاولت إسقاط الحكومة الكوبية، من خلال القوة التي دربتها الولاياتالمتحدة من المنفيين الكوبيين، مع دعم عسكري أمريكي، وقد بدأت العملية في أبريل من عام 1961، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تنصيب جون كيندي، رئيسا للولايات المتحدة، ووقتها هزمت القوات الكوبية المسلحة المدربة من قبل دولة الكتلة الشرقية، قوات المنفيين في ثلاثة أيام، وكادت كوبا أن تسبب حربا نووية بين روسياوأمريكا عندما نشرت صواريخ نووية في جزيرة كوبا، والقصة تاريخيا معروفة، إذ استمر التحدي من قبل نظام كاسترو للامبريالية الأمريكية بحسب توظيف النظام في هافانا، واستمر الوضع عقودا طوال. في الخطاب التاريخي الذي ألقاه أوباما، والذي تلى عملية تبادل السجناء بين كوباوالولاياتالمتحدة، قال إن «عزل كوبا لم يعط نتيجة» داعيا إلى اتباع «نهج جديد»، ومعلنا باللغة الإسبانية «نحن كلنا أمريكيون»، وفي كلمته أيضا قال أوباما «سننهي – مقاربة قديمة فشلت لعقود في خدمة وتقدم مصالحنا، وسنبدأ عوضا عن ذلك، في تطبيع العلاقات بين البلدين، مشيرا إلى أن الصفقة ستطلق فصلا جديدا بين الدول في الأمريكتين، ومتحدثا عن «تخطي سياسة متصلبة متجذرة في أحداث حصلت قبل أن يكون معظمنا قد ولد حتى». ثمة من يرى من المحللين أن فشل سياسة الحصار التي وقعت فيها الادارة الأمريكية مع كوبا، امتدت إلى دول أخرى، حيث لم تستوعب واشنطن على ما يبدو دروس التاريخ إلا في وقت متأخر جداً، أو لا تستوعبها على الإطلاق، فقد حاصرت من قبل العراق وليبيا، وها هي الآن تحصد حصادا سيئا جدا في البلدين الذين تحولا إلى ساحة خلفية للإرهابيين من كافة بقاع الأرض. من جديد تستهل واشنطن اليوم رحلة جديدة من العقوبات تجاه روسيا الاتحادية، وهي بلا شك تود قطع الطريق على فلاديمير بوتين، وربما تستخدم واشنطن سلاح النفط ومراجعة العلاقات السياسية مع حلفاء الروس، في محاولة لسد طريق تعافي الاقتصاد الروسي الذي يؤثر كثيرًا في الفترة الأخيرة على قيمة الروبل الروسي في أسواق النقد العالمي، فواشنطن لا تود أن ترى علاقة روسية – كوبية جديدة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، فصحيح أن التاريخ لا يكرر نفسه، لكن الواقع أيضا هو أن أحداث التاريخ كثيراً ما تتشابه، ومع صحوة روسيا الجديدة، وتحالفاتها مع عدد من دول أمريكا اللاتينية النافذة وفي مقدمتها دول البريكس وعلى رأسها البرازيل، فإن بقاء كوبا على هذا النحو، معزولة ومعرضة لعقوبات أمر لا يفيد إلا أعداء واشنطن الجدد، في حالة الحرب الباردة الجديدة التي باتت تخيّم على سماوات العلاقات بين واشنطن وموسكو. تحليل آخر يذهب إلى أن واشنطن تحاول جاهدة توحيد صف حلفائها وجيرانها من الأمريكيين اللاتينيين، ومن المكسيك، وكندا، ومن الجزر المحيطة بها، من أجل مواجهة الخطر الأكبر المتمثل في الإرهاب، بصفوفه المتباينة القاعدية والداعشية، وقطع الطريق على أي جماعات يمكن أن تقترب من الحدود الأمريكية في الحال أو الاستقبال.