فى المائة عام الأخيرة أصبح العالم أمة واحدة بفضل تكنولوجيا الاتصالات، وبفضل المعاهدات والتنازلات أصبح تحت قيادة واحدة، فالعالم دوماً يبحث عن قيادة له، فكل مجلس لابد له من رئيس، وهذا من لوازم التنظيم، وتلك الأمة القائدة تكون صاحبة مشعل العالم المستنير الحديث، وعندما تزدهر تلك الحضاره تصل إلى لحظة فقد التوازن تنهزم وتتفكك ثم يأتى الدور على قيادة أخرى تحمل المشعل، ويتجه إليها العالم. دوماً كان المشرق يعنى الحضارة والتنوير والثقافة، حتى سقوط الدولة العثمانية انتهى نظام قطب المشرق، وانتقل المشعل لأهل الغرب، وتنازعت فرنسا وبريطانيا السيادة، ولكن كانت لبريطانيا الغلبة والسيادة، وبعد الحرب العالمية الثانية استقر الأمر فى الغرب، فى العالم الجديد، الولاياتالمتحدةالأمريكية. بدأت أمريكا تقوم بدورها بنشر أيدولوجيتها وفكرها القائم على اللامبدأ سوى الحرية للناس، وتبيع الحلم الأمريكى للعالم، خاصة بعد سقوط روسيا وتفككها، اتجهت الأنظار لأمريكا على أنها القيادة والقدوة، وكان شبابها المثل الأعلى لشباب العالم ونجح الرئيس السادات فى وضع مصر فى النظام العالمى، وانتشرت الثقافة الأمريكية فى أوساط الشباب بين الروك والحرية والسلام وكسر القواعد والعادات والقيم والسير على خطى الهيبز وتقليدهم فى ملابسهم القصيرة الضيقة ذات الألوان التى تشبه قوس قزح، إنه عصر كل الألوان، لا للون واحد، بل كل شئ مباح. بمناسبة قوس قزح لعلك تعثرت به مؤخراً، فهو يعبر عن فتح من فتوحات العالم الحر، هو يعبر عن المثلية الجنسية، أو كما أحب أن أطلق عليه التوحد الجنسي، فأمريكا ربة الحرية أقرت تلك العلاقة بشكل "قانونى" فيمكن الآن للرجل أن يتزوج زميل الدراسة أو العمل فى أى محكمة، والفتاة يمكنها أن تستثمر شغفها بأخت زميلتها فى غرفة مغلقة بدون أى مشاكل أو قيود، زوج وزوجة أو زوجة وزوجتها، وتحت شعار "الحب ينتصر" احتفل العالم الحر بذلك الإنجاز. دعنا من كل هذا الشذوذ ولنناقش أمرا آخر، نتباحث حول كهنة تلك الربة، عُبادها فى بلادنا، المرفرفين بالأعلام، النخبة التى استقبلت هذا الحدث بالفرح والسرور مع أسعد التمنيات للعروسين، النخبة التى تعتنق الحرية وتعتبرها دين وهدف وغاية وليست وسيلة كما يعتبر البعض، الحرية التى تجعل الإنسان يخوض فى كل شئ ويهدمه وتدفعه لعمل أى شئ يحب أن يفعله، الحرية على الطراز الغربى، الحرية التى يرفضها العقل الفطرى السليم ولا يستسيغها. تلك النخبة تبشر بالحلم الأمريكى وتنشره فى مجتماعاتنا العربية بنية تحرير العبيد، تحت ستار العقل، يعتبرون تسلط الشهوات على الإنسان أمر حسن والقبح هو أن يحيط الإنسان نفسه بقيود وقواعد، تلك النخبة التى ستصرخ أين القواعد والقوانين عند أول تهديد، فأنت لديك شهوة ما لماذا تكبتها؟ افعل ما تحب، انطلق، لا حدود، السماء لك، لا تهتم بمن يحيط بك، ليس لأحد عليك سلطان، تلك ثقافة المشروبات والأكلات الغربية التى تجدها بوفرة فى إعلاناتهم التجارية. ماذا رأينا من الغرب حتى نعشقه ونتخذه ولى؟ ما الذى قدمه لنا مريدين أمريكا؟ أن المقالات والعبارات عن الصنم أنه متقدم ومتحرر، هل تقصد التكنولوجيا؟ أين تقدمك العلمى إذن؟ أين مصانعك وحقولك؟ لا يوجد، سأقول لك أين.. فى جيب المستثمر الأجنبى، أنت تعشق من يسرقك ويستولى على مقدرات وطنك، هل تقصد التحرر؟ هل تقصد الأخلاق؟ بئس ما تطلب فى الحقيقة، أنا لم أر من الغرب إلا كل فساد، كل الفساد الذى أصاب شبابنا من الغرب، هل ترى هذا الشاب الذى يرتدى كالمهرج وليس لديه هدف يعيش من أجله؟ إن تفاهته هى من الغرب، هل ترى تلك الفتاة التى نعرف جميعاً مقاسات جسدها؟ هل تقنعنى أنها ترتدى هكذا من أجل قضية ما؟ من أجل هدف سامى؟ هل انتكست فطرتك فلم تعد ترى الشر الذى تتسبب به؟ نحن حتى الآن نعانى فى قضية الزواج بين الرجل والمرأة من حيثية الثقافة ومن حيثية الإمكانية نفسها، فها أنت تأتى بحرية أخرى اسمها زواج المثليين، الذى بالطبع سيكون قليل المصاريف حتى ينتشر. ماذا لدينا ضد تلك الحريات المشبوهة؟ فى الحقيقة لدينا فقط شئ واحد، اسمه العقل، القيم الثابتة التى تعتبر الحجة على الجميع من ذوى الفطرة السليمة، المفاهيم والسنن والقوانين الموجودة بشكل ثابت على العالمين، ونؤمن بالعدل الذى هو صفة أساسية لابد أن يتصف بها الفعل الإنسانى، فالعقل الذى ينطلق من البديهيات و قوانين العلة والمعلول ينبئنا أنه لا حدث ولا شئ بدون سبب ولا حتى الفعل وأن كل خلق لابد وأن يكون له هدف وغاية، فما الذى يقدمه التوحد الجنسى للمجتمع وللبشرية من تكامل؟ هو لا يقدم سوى اتباع الشهوة بدون تفكر فى توابعها، هو شكل من أشكال الحرية الغير مسئولة، لا تكون مجتمع ولا تحافظ على إنسجامه لإنه بالتأكيد هناك من سيتعارض هذا الفعل مع قيمه وفطرته الإنسانيه. فقط اقتران الذكر بالأنثى هو الذى يجلب التوازن والتناغم للمجتمع، كل شئ اذا تواخينا فيه العدل سيجلب التوازن للعالم، حتى النصوص المقدسة لم تتكلم عن اقتران الذكر بالذكر والأنثى بالأنثى لأنه ضد النظام الأصلح وفطرة البشرية، ولكن الإنسان توج نفسه إله العصر الحديث وصار هو المشرع والمقنن وادعى العقل ولكنه ارتدى تاج الشهوات وعباءة التسافل. فى ثقافتنا القرآنية نجد سنن وقوانين تربط بين السماء والأرض، نقتبس منها واحد يختص بقضيتنا هذه، من تلك القوانين قانون الفطرة وهو قانون يستطيع الإنسان أن يكسره ويسير ضده ولكن فى النهاية وطبقاً للهيمنه الإلهية فلن تستقيم أموره، كيف؟ أنظر للعالم كيف هو وأنت تعلم كيف، ان الحب الناتج من الشهوة لا يمكن أن ينتصر، وان انتصر فهو نذير ببداية النهاية وسقوط الحضارة.