تعاني استراتيجة إدارة أوباما لمواجهة تنظيم "الدولة الإسلامية" من أوجه تراجع عدّة أٌبرزت خلال الأيام الماضية وسُلط عليها الضوء مجدداً قرار لجنة الأمن والاستخبارات في الكونجرس الأميركي بتقليص ميزانية برنامج إنشاء ودعم وتسليح وتدريب ما يسمى ب"المعارضة المعتدلة، وهو البرنامج الذي تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية سي.آي.إيه بالتعاون مع أجهزة استخبارات لبلدان السعودية وتركيا وقطر والأردن. لجنة الأمن والاستخبارات قررت خفض تمويل برنامج "المعارضة المعتدلة" إلى مليار دولار أميركي في العام، وهو ما يعني أن الرقم كان أكبر من ذلك وإن لم يكن معروفاً، وبحسب تقرير نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية الأسبوع الماضي، أن هذا البرنامج يشابه برنامج إرسال "الجهاديين" إلى أفغانستان ونيكاراجوا، سواء في شكل التمويل وآليته، أو التعاون بين السي.آي.إيه وأجهزة استخبارات دول حليفة للولايات المتحدة.، وذكرت الصحيفة أن تمويل الوكالة الأميركية لمثل هذه البرامج يخصص له بشكل واسع ما يقارب من نسبة 1 : 15 من ميزانيتها. وبخصوص "المعارضة المعتدلة" والتي تُصر واشنطن وحلفاءها على تسميتها بهذا المصطلح المرن الغير محدد، فأن هناك سلسلة من السجالات بين الولاياتالمتحدة الأميركية وحلفاءها حول ماهية وآلية تمويل هؤلاء المسلحين، بالإضافة إلى ضمان أن الأسلحة واللوجيستيات لن تذهب إلى مسلحي داعش أو جبهة النُصرة كمان حدث منذ مطلع 2012 وحتى العام الماضي، ولكن هذا لم يمنع في تدريب وتدفق 10 ألاف المسلحين بإشراف من هذا التحالف، وخاصة على جبهة الجنوب السوري والحدود الأردنية. أقرأ: (المعارضة المعتدلة»..خلاف حول المفهوم والأهداف) ما طرحته "واشنطن بوست" يحصر الحديث حول ماهية "المعارضة المعتدلة" التي ستستفيد رأساً من أموال دافعي الضرائب الأميركية، وذلك يعني أن تمويل وتسليح مقاتلين الجماعات المسلحة في سوريا بكافة أطيافهم وألوان انتماءاتهم الايدلوجية كان يعتمد على أموال دول السعودية وقطر وتركيا، وأن واشنطن أرادت منذ 2013 ضبط قنوات التمويل لضمان وصولها إلى مسلحين لا ينتمون إلى جهات تعادي الولاياتالمتحدة مثل تنظيم القاعدة وصولاً إلى داعش، وبعد إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما عن استراتيجة إدارته لمحاربة داعش أغسطس العام الماضي، نشأ تباين جديد حول ما إذا كانت الاستراتيجية تنحصر فقط في مواجهة التنظيم دون اعداد قوة تحل محل كل من تنظيمي داعش والجيش العربي السوري، وهي النقطة التي مازالت محل خلاف بين الولاياتالمتحدة وحلفاءها في تركيا والسعودية وقطر، حيث أن كل من تركيا والسعودية صمموا على اعتماد الاستراتيجية لمسألة تكوين وتدريب قوة أساسية تحل محل داعش والجيش السوري، وليس التكفيريين عموماً بما فيهم جبهة النٌصرة، فرع تنظيم القاعدة، وهو ما تبع ذلك من مرحلة تبيض صفحة الجبهة وتقديمها إعلامياً من جانب الدول الثلاثة على أنها "معارضة معتدلة" أو بالحد الأدنى "أحد القوى الثورية"، أو اختصاراً أنها أمر واقع يجب على الأميركيين التعاطي بإيجابية معه ويبادل بذلك من قادة الجبهة، وهو ما جعل الدول الثلاث يسارعوا بالتنسيق فيما بينهم بداية من العام الجاري لتوحيد الفصائل المسلحة العاملة تحت أمرتهم، والتعجيل بحصد أي مكسب ميداني يجعل منهم رقم هام في معادلة التسليح والتدريب الأميركية لا معادنها ولا حتى اغفالها، وهو ما حدث بالفعل في ما سٌمي بجيش الفتح ومعارك إدلب. أقرأ: (لماذا يستثنى حلفاء الولاياتالمتحدة «القاعدة» من حربهم ضد الإرهاب؟) تقرير الصحيفة الأميركية جاء فيه على لسان مسئولين أميركيين أن الميزانية بعد تقليصها يبلغ نصيب المقاتل منها في أوجه التدريب والتجهيز والراتب ما يقارب 100 ألف دولار أميركي في العام، وذلك فيما يخص ما تشرف عليه السي.آي.إيه فقط دون حلفاءها، وحصراً بالملتحقين ببرنامج دعم "المعارضة المعتدلة" الذي تمت مراجعته أوائل العام الجاري، بعد الهزائم التي لحقت بقوات ما تعتبرهم واشنطن "معارضة معتدلة" مثل حركة حزم والجيش الحر، على يد النُصرة أو داعش. وعلى الرغم من التباين المتواجد بين الولاياتالمتحدة وحلفاءها، وتصدع استراتيجية أوباما لحساب استراتيجيات ومصالح حلفاءه المباشر، إلا أنه من الواضح أن كافة الأطراف وعلى رأسها واشنطن لا تريد تكرير خطاً 2012 الخاص بالاقتتال بين فصائل المسلحين، ولكن تتبقى علامة استفهام هامة حول ما إذا كان إقرار الكونجرس وبهذا الشكل "العلني" لرقم ميزانية دعم وتدريب المسلحين أن ذلك يعني أن الإدارة الأميركية عليها إذا كانت تنوي الاستمرار في تنفيذ استراتيجيتها بما فيها الجزء المتعلق بتدريب "المعارضة المعتدلة" فعليها أن تضمن أمام المشرع والناخب الأميركي أن لا تذهب أموالهم إلى جهات تعتبر عدو للشعب الأميركي، بكلمات أخرى سيصبح من الواجب على واشنطن أن تعالج بشكل نهائي مع حلفاءها مسألة "جبهة النُصرة" التي بموجب قرارات أممية وقوانين داخلية لدول التحالف تنظيم إرهابي يُجرم دعمه. أقرأ: (قلق أميركي من دعم السعودية وتركيا ل"جبهة النُصّرةّ" في معارك إدلب) من جهة أخرى، قد تكون الرواية السابقة حول التباين بين الولاياتالمتحدة وحلفاءها في المنطقة التي تسوقها وسائل إعلام أميركية وغربية مُستهجنه من جانب عدد من جماعات الضغط والرأي وحقوقيين في الولاياتالمتحدة بسبب ثبوت أن واشنطن أيدت وعملت على إنشاء إمارة للقاعدة في سوريا عام 2012، وذلك حسب وثائق رسمية كُشف عنها الشهر الماضي بمقتضى أمر قضائي. وعلى كثرة التكهنات حول مصير الدور الأميركي في تدريب المسلحين في سوريا بعد أكثر من 4 سنوات على الأزمة السورية، إلا أن الثابت أن الإدارة الأميركية الحالية تعمل في أخر سنة لها على تمرير اكبر قدر ممكن من التشريعات والقوانين التي تضمن استمرار وشرعنة الدعم للجماعات المسلحة في سوريا وعلى امتداد سنوات قادمة، سواء تحت غطاء محاربة الإرهاب وتنظيم داعش، أو مزيد من نشر الديمقراطية الأميركية. موضوعات متعلقة: