أول رئيس وزراء منتخب في تاريخ الكونغو أثناء الاحتلال البلجيكي لبلاده، قتل في يناير 1961 بعد سنة واحدة من توليه الحكم لتأثيره على مصالح الاحتلال في الكونغو، ولد باتريس لومومبا عام 1925 في ستانليفيل (كيسانغاني) بمقاطعة الكونغوالشرقية، ينتمي إلى قبيلة باتيليلا، جزء من قبيلة المونغو، وهو من أبناء النخبة الكونغولية التي حظيت بالتعليم في فترة الاستعمار. قاوم الاستعمار البلجيكي وأسس الحركة الوطنية عام 1958 وكانت أقوى الحركات السياسية في الكونغو، وحظي لومومبا بشعبية واسعة وقاد مظاهرات ومواجهات مع الاستعمار البلجيكي أدت إلى اعتقاله ستة أشهر، وأفرج عنه لإنجاح المفاوضات التي كانت تجري في بروكسل لبحث مستقبل الكونغو، ونقل من السجن إلى بروكسل بالطائرة، وتم الاتفاق على استقلال الكونغو وإنهاء ثمانين عامًا من الاستعمار البلجيكي. كان لومبا ذكيًّا وعنيدًا، فقد صبر وثابر وواصل تعليمه في مدرسة يشرف عليها مبشرون بلجيكيون ثم وُظف برتبة مُنشئ في شركة منجمية بلجيكية في "كيندي" بمقاطعة "كيغو"، ومنحته السلطات البلجيكية منحة دراسية ليلتحق بمعهد البريد والبرق في ليوبولدفيل سابقًا كينشاسا حاليًا، وبعد تخرجه عمل محاسبًا في الصكوك البريدية. يعتبر من القلائل من الكونغوليين "المتطورين"، بمعنى الحاصلين على قدر من الثقافة وتجربة العمل في دوائر الإدارة الاستعمارية، وجدير بالذكر أن الكونغو بتعدادها إبان الاحتلال البلجيكي الذي بلغ 13.5 مليون نسمة لم يكن من بين أبنائها سوى 17 فردًا حاصلين على شهادات جامعية. في عام 1955 أصبح لومومبا رئيسًا للاتحادات العمالية، كما التحق بالحزب الليبرالي البلجيكي فى الكونغو، وقد حدث انعطاف حاسم فى مسار حياة لومومبا فى أكتوبر 1958، فقد بادر بتأسيس الحركة الوطنية الكونغولية وأصبح هدفه الحصول على الاستقلال وتدعيم الوحدة الوطنية، والدعوة لإقامة دولة كونغولية موحدة ذات حكومة مركزية قوية، وفي الوقت نفسه، تنمية النشاط الاقتصادي لإشباع حاجات الأفراد بالتوزيع العادل للمداخيل، وهو الاتجاه الذي أزعج السلطات الاستعمارية والمصالح الاقتصادية الأجنبية، خاصة أنه كان يعمل بالصحافة فكان يترأس تحرير جريدة "الاستقلال" الصادرة بالفرنسية. وبعد الكثير من المفاوضات بين اليمن واليسار الكونغولي لنيل الاستقلال، وقد حصلت عليه في ظروف لم يحدث مثلها في أي بلد إفريقي آخر؛ لأن الاستقلال في البلدان الأخرى كانت تسبقه مراحل متتالية تمهيدية، لكن الكونغو لم تشهد هذه المراحل الانتقالية، ويرجع ذلك لطبيعة السياسة البلجيكية التي تعد من أهم أسس الصراع الدائر في الكونغو، خاصة أنها كانت تطبق السياسة الأبوية في الحكم ولم تمهد الطريق أمام الكونغوليين للمشاركة في الحكم، وظلت تمارس سياستها حتى فوجئ الشعب بدون مقدمات بحصوله على الاستقلال. وعلى الرغم من قصر مدة حكمه، إلَّا أن له العديد من الإنجازات على المستوى الداخلي والخارجي، لكن في الرابع عشر من سبتمبر قام الجنرال "موبوتو" الذي عينه "إيليو" بانقلاب عسكري واعتقل باتريس لومومبا، لكنه قد تمكن من الفرار بعد ذلك، ورغم محاولة العديد من الدول عقد مصالحة بين الطرفين ومنها مصر، إلَّا أن تلك الجهود باءت بالفشل؛ لانصياع كازافوبو وموبوتو للقوى الخارجية الأجنبية، خاصة الولاياتالمتحدة، وفي فبراير 1961 عقد مجلس الأمن جلسة بناء على طلب الاتحاد السوفيتي؛ للنظر فى مسألة القبض على لومومبا وسجنه، وحاولت الولاياتالمتحدة تمييع الموقف وأحيل الموضوع للجمعية العامة، وكانت الولاياتالمتحدة تصر على أن مسألة القبض على لومومبا داخلية. أما الوثائق فتؤكد أن السياسة الأمريكية قررت التخلص من لومومبا، وأن الأجهزة السرية تلقت الضوء الأخضر من الرئيس أيزنهاور بالموافقة على إجراءات الاستئصال، وفكرت المؤسسات السرية في استعمال السم بوضعه فى معجون الأسنان، وفكرت في استخدام فريق كوماندوز لخطف لومومبا. اعتقل باتريس لومومبا في 2 ديسمبر وأرسل إلى النظام الانفصالي في مؤامرة دنيئة دبرها له رئيس البلاد وقائد الجيش حيث أعدموه في يناير 1961 بالقرب من (اليزابيث فيل) في إقليم كتانجا رميًا بالرصاص، ولقد كشف البلجيكي جيرالد سوت، الذي كان يعمل فى سلك البوليس بإقليم كاتنجا، كيفية التخلص من جثة باتريس لومومبا، وذلك حتى لا يصبح قبره مزارًا للثوار، فلقد تم استخراج الجثة من باطن الأرض وتقطيعها بمنشار فولاذي وتذويبها في حمض الكبريتيك، وبعد عملية التذويب وجد المنفذون أن عظام الفكين والجمجمة لم تتآكل، فقاموا بطحنها حتى تحولت لطحين وتم خلطه بالتراب الذي تمت فوقه عملية التذويب.