"أما علاقاتنا الدولية المقبلة فستكون علاقات ديمقراطية متوازنة ومتنوعة لا بديل فيها لطرف عن آخر، فمصر تستطيع الآن أن ترى كافة جهات العالم، مصر الجديدة ستكون منفتحة على الجميع لا تنحصر في اتجاه ولن تكتفي بتوجه، نحن نتطلع إلى تفعيل وتنمية علاقاتنا لكل من أيد أو سيؤيد إرادة الشعب المصري، ونتعهد معهم على التعاون في شتى المجالات، ذلك التعاون الذي لم يقتصر الاعتزاز به على الدوائر الرسمية، وإنما امتد ليستقر في وجدان شعوبنا ويرتبط في أذهاننا بمشروعات وطنية عملاقة وقاعدة لاستقبال الصناعات الثقيلة، فمصر بما لديها من مقومات يجب أن تكون منفتحة في علاقاتها الدولية، لقد مضى عهد التبعية في تلك العلاقات التي ستحدد من الآن فصاعدا طبقا لمدى استعداد الأصدقاء للتعاون وتحقيق مصالح الشعب المصري". هذه كانت كلمات الرئيس السيسي، في حفل التنصيب قبل عام، حيث رأى فيها الجميع بداية جديدة في علاقات مصر الدولية. نادت ثورة 30 يونيو ومن قبلها ثورة 25 يناير، منذ بدايتها بسياسة خارجية قائمة على استقلال القرار المصري والخروج من التبعية، والانفتاح سياسيًا واقتصاديًا على العالم أجمع، لكي تكون مصر صاحبة نفوذ واسع تحقق من خلاله مصالح المنطقة العربية وشعوبها، وظل الحديث عن خروج مصر من الهيمنة الأمريكية اقتصاديًا وسياسيًا بعد 30 يونيو والتطلع إلى إضافة شركاء جدد، هو الشغل الشاغل للكثيرين خلال الفترة الماضية. ويرى أصحاب هذا الرأي، أن تحرر القرار السياسي سوف يكون له عدة انعكسات خارجية وداخلية تصب في خدمة مصالح الشعب، إلا أن الواقع الذى كشفه الوقت وحده، وليس تصريحات المسؤولين الرنانة، يؤكد أن الخروج من التبعية والهيمنة الأمريكية ليس بهذه السهولة نظرًا لتغلغلها فى مفاصل الدولة ومؤساساتها منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات، وتوقيع معاهدة كامب ديفيد. يقول الدكتور مختار غباشي، نائب مدير المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية: "مصر لم تستطع في المرحلة الأخيرة أن تخرج من العباءة الأمريكية بشكل مطلق". وأضاف في تصريحات خاصة ل"البديل": عدم تحرر مصر من تلك التبعية بشكل مطلق يعود فى الأساس إلى أن القاهرة فى اقتصادها العام، وخاصة تسليح الجيش، كان يعتمد في السابق على المؤسسات الأمريكية، حيث إن 85% من التسليح العسكري المصري يأتى من واشنطن، بجانب تعاقدات شركات السلاح الأمريكية الخاصة مع القاهرة، كما تظل مشكلة "الاكتفاء الذاتى" فى كثير من مناحي الحياة الاقتصادية المصرية. وأكد غباشي، على ضرورة أن لا يتم فقط استبدال التبعية الأمريكية، بأخرى عربية أو روسية، وأن الهدف من هذا التحرر هو أن تبنى علاقتنا بكافة الدول على الاحترام، وبقدر ما تقدمه من تعاون متبادل. من جانبه، قال الدكتور جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بورسعيد، إن التغيرات وفك العلاقات مع الدول الكبرى عملية ليست سهلة وتحتاج إلى وقت، مؤكدًا أن البدايات تعتبر مُبشرة، خاصة مع التوجه شرقًا نحو روسيا والصين، إلا أن الغرب عندما يتعاون مع دولة لا يتنازل عن أن تكون تابعة له يحيث يكون ميهمنًا عليها بطريقة كبيرة، مثلما حدث فى الفترة التي تعاونت فيها مصر مع أمريكا خلال ال40 عامًا الماضية. وأكد زهران، ل"البديل"، أنمصر تواجه حربا طويلة الأمد لأنها تعتمد منذ فترة في تسليحها على الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال المعونة العسكرية التي تقيد الجيش بسلاح من الجيل العاشر، في المقابل تسلح أمريكا إسرائيل بسلاح من الجيل الأول لضمان تفوقها بالمنطقة. وحول العملية العسكرية الأخيرة في اليمن أكد زهران، أن توقيت العملية السعودية في اليمن قبل انعقاد القمة العربية، يؤكد أنها جاءت بتوجيه أمريكي لجر مصر إلى معركة خارجية تنشغل بها عن الإرهاب الداخلي، وتبعدها عن مواجهة العدو الأساسي وهو الكيان الصهيوني. وأشار إلى أن أمريكا رسمت مخططا بحيث لو رفضت القاهرة المشاركة سيتم بموجبه وقف الدعم السعودي والإماراتي لمصر، مشيرًا إلى أن الاتفاق كان على أن العملية لن تستمر أكثر من 10 أيام، إلا أن استمرار العملية يوضح فشل السعودية فى تحقيق أهدافها، كما يشير إلى أن هذه العملية هي تنسيق (أمريكي سعودي) للضغط على إيران خلال مباحثات الاتفاق النووي. وأكد أن تعديل الإطار العام للعلاقة مع أمريكا بشكل مطلق يتطلب تغييرات اقتصادية جذرية داخليًا، حيث لا يمكننا أن نعتمد على علاقتنا بالشرق فى الوقت الذي لا نملك فيه خطة اقتصادية داخلية للتنمية والتطوير، ولعل الجميع بدأ يدرك الخطأ الذي وقعت فيه الحكومة بالتخطيط لمشاريع استهلاكية فى المقام الأول، مثل تلك التى تم طرحها فى المؤتمر الاقتصادى، بينما تتطلب المرحلة التركيز على المشروعات الإنتاجية التى تساهم بشكل مباشر وعلى المدى الطويل في دفع عجلة التنمية وتحقيق الاكتفاء الذاتي.