صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة إصدارات خاصة، كتاب"أسئلة الثورات العربية"، في جزأين، للناقد الدكتور أيمن تعيلب، المولود عام 1962 بمحافظة الشرقية، كفر النحال، الزقازيق، والحاصل على الليسانس في اللغة العربية كلية الآداب جامعة الزقازيق، والماجستير عن الاتجاهات التأملية في شعر جماعة أبولو في مصر، والدكتوراه التي جاء عنوانها "الاغتراب في الشعر العربي الحديث- المدرسة الواقعية"، يعمل كأستاذ في النقد العربى الحديث منذ العام 2007. كتابه تضمن مقدمة عن ما عرف ب«الربيع العربي»، وتعريفًا بمصطلح الثورة في الأدبيات السياسية والثقافية، ومفهوم الثورة في المصطلح، وأسباب الثورات، وأشكالها، كما كتب عما قبل قيام ثورة يناير والأرهاصات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للثورة، وقدم بورترية للديكتاتور المخلوع، كما قدم أسئلة الثورة من خلال تفكيك الخطاب الإعلامي. شمل الجزء الأول على عدد كبير من العناويين منها: الإعلام وسيميائية التطويع والترويع أسئلة الثورة وتفكيك التوزانات الثقافية والسياسية الدولية، أسئلة الثورة وتفكيك بنية الفكر الحظائرى، أسئلة الثورة وتأسيس الإدراك العقلى الجماعى، في انفجار النموذج السياسى والدينى التسلطى، عنف الوثوقية الدينية وفقدان الذاكرة التاريخية، الثورة وأوهام الزعامة، أسئلة الثورة وإعادة بناء المعنى والتاريخ، من ثقافة مرتزلة التبرير إلى كرنفالات معتزلة التحرير، أسئلة الثورة بين أوهام المثقفين وتسلط السياسيين، أسئلة الثورة وتفكيك الدال الاجتماعى، أسئلة الثورة وتفكيك سياسة الواقع الشبيه، من العقل التسلطى القمعى إلى العقل الجمعى الحركى، أسئلة الثورة وفتح أفق الممكن، من ثقافة التواطؤ الاستفسارى إلى ثقافة السؤال الابتكارى، من تصميت الواقع إلى تفجير المستحيل، ثورة 25 وتأسيس علم إجتماع الغياب، أسئلة الثورة والهوية تفكيك وطن السيسياء، ويختتم بفصل بعنوان "نحو تأسيس نموذج معرفى". وفي الجزء الثاني عرض تعيلب لأسئلة الثورة وتفكيك الدال الجمالى، الثورة تسقط نص السلطة على الواقع وليس الواقع نفسة، الثوره وتفكيك التدشين الرمزى للسلطة، الثورة وتأسيس شعرية الصمت والغياب، الثورة وإعادة تأسيس حد المجاز، الثورة وابتكار شروط جديدة للجدل واللغة والخيال، فى شعرية الثورة، من شعريات التركيب إلى شعريات التفكيك، الثورة تنقض المحاكاة الأرسطية وتؤسس للمحاكاة البينية التشعبية، من التخييل النسقى الإحتوائى إلى التخيل الثورى الشذرى، الثورة وتأسيس التخييل البينى المفتوح، ديوان شعر الثورة ويشتمل على أشعار لعبدالمنعم رمضان، حلمى سالم، أحمد تيمور، أمل دنقل، حافظ إبراهيم، محمد عفيفى مطر، نزار قبانى، فاروق جويدة، وغيرهم. يقول "تعيلب" في كتابه: إن الباحث في المصطلح القرآني للثورة لا يجد غير بضع آيات كريمات تحدثت عن الثورة لا في المعنى الانقلابي التغييري الطفري، كما هو معروف للثورات، إنما ضمن آيات تكلمت عن الفعل «ثار يثور»، ومشتقاته التي تفيد التغيير في الأرض أو العمران والتحديث، أو الحرث والتحريك، لكن القرآن الكريم نفسه كان ثورة مفهومية ومعرفية وعقدية وثقافية كبرى في الحياة العقلية والروحية للعرب، فالإسلام كان معنيًا بإحداث نقلة ثقافية تحويلية شاملة في مفاهيم الوعي والعقل والروح والدنيا والآخرة لدى العرب، وهي ثورة تشمل جميع تصورات الحياة ومناحيها واهتمامتها وأهدافها القريبة والبعيدة المرئية واللامرئية. ويكمل: كان القرآن الكريم ثورة كلية شاملة على المستويات الدنيوية والأخروية كافة، وثمة فروق معرفية ومفهومية أساسية بين معنى ثورة الإسلام وثورات المسلمين، ذلك أن كل ثورة دينية روحية فكرية هي ثورة مدنية الطابع من حيث أن الذين يقومون بها بشر تنبع همومهم وطموحاتهم من واقع زمانهم، ومستجدات مكانهم، ومتطلبات تاريخهم وحركته المدنية العامة. كان هذا استدراكًا ليؤكد: لذلك يجب أن نفرق بين ثورة يقوم بها بشر مسلمون، وثورة يقوم بها الإسلام نفسه كمفاهيم وتصورات عقدية ربانية، فليس بالضرورة أن كل ثورة إسلامية تحقق المفاهيم الإسلامية الربانية في صفائها الرباني الجميل كل ثورة يقوم بها الإسلام ذاته من خلال نصوصه هي ثورة ربانية حقيقية على المستوى النظري التجريدي والمستوي الفعلي، وعندما يقود الفكر الإنساني التاريخي تلك المفاهيم والتصورات تحدث بالضرورة الفجوة المفاهيمية الكبرى بين كمال واتساق، وشمولية المفاهيم الربانية العظيمة، وجزئية الفكر البشري التاريخي المحدود بحدود زمانه ومكانه، ووعيه وإدراكه، وهواجسه ومخاوفه. يرى "تعيلب" أن إلغاء فكرة السياق التاريخي، ونفي فكرة الجدال، وإقصاء حركة الواقع والعقل بين الصواب والخطأ والهدم والبناء يمثل إحدى المكونات السردية الحكائية لطبيعة الواقع السياسي والثقافي المصري المعاصر. ويضيف: نجدها منتشرة في جميع أنحاء الجسد الاجتماعي والثقافي والسياسي والعلمي والديني والقانوني والخلقي العام، فلدينا واقع بلا وقائع، وأساتذة بلا تجارب ولا فكر خلاق ومؤسسات بلا كفاح ونضال وتأسيس ونظريات بلا تنظير أو تكييف جدلي تاريخي، أي لدينا مجتمع بلا مجتمع، وفي مثل هذا الواقع الثقافي السردي تنشر قوة الإغواء والإثارة والتخييل والظن والوهم والابتذال والسوقية، والقبح والتمويه والمراوغة، كما تتنامى بشكل سرطاني ثقافة الوهم والسماع التي ينبع فيها الواقع من فعل الحدث أو الخير ولا ينبع الخبر أو الحدث من الواقع المادي نفسه، بل نحن في حرباوية الوجود والواقع والسياسة والثقافة، ما يعني أن النظام السياسي التسلطي يدشن حرباوية الدولة الافتراضية السردية ليزرعها مكان الحقيقة الفعلية للواقع، كما تسد حرباوية الكذب الكامل والنهائي جميع منافذ اللغة والواقع والتاريخ والعقل والروح والمؤسسات والأحزاب والسلطات تسدها جميعاً بحرباوية تلوينات الكذب المنهجي المنظم والمسلح بمدرعات الدعاية والإعلام والصورة وأنظمة التواصل اللاتواصلي، التواصل السردي الوهمي القادر على ابتلاع الحقيقة كاملة في جوفه الظلامي الأخطبوطي. ويوضح أن هذه الدوخة الإيديولوجية الكاملة التي سبح فيها الواقع المصري بكامله على عهد الرئيس المخلوع ولا يزال يسبح فيها حتى الآن تؤكد أخطبوطية الإرهاب الإعلامي والدعائي والتعبيري في نفي وسحل قوة الواقع الثوري بطاقة الأسماء المزورة، وعنف اللغة السردية الوهمية الكذوبة في تعويم الإدراك المصري في لجة المصطلحات السردية، والتعبيرات الوهمية، حتى يتم تحويل الواقع المادي التاريخي إلى حالة ثرثرة إنشائية يتكالب عليها الجميع لنفي الجميع، ويتشارك فيها الجميع ضد الجميع. في الجزء الثاني يسعى "تعيلب" إلى التأسيس لجماليات «شعرية الثورة»، معرفياً وتخييلياً في خطابنا النقدي والشعري القديم والمعاصر، متسائلاً: «إذا كان هذا الفرض النقدي تعضده الوقائع السياسية والتاريخية والثقافية الثورية، فكيف تحققت هذه الشعرية على مستوى الخطاب الشعري العربي؟ وما هي الأشكال الجمالية والمعرفية والتخييلية التي جسدت هذه الشعريات الثورية في خطابنا الشعري المعاصر والقديم أيضاً؟ وهل يمكن اعتبار شعريات الحماسات العربية بذرة جنينية لشعريات التثوير؟ يقول: «إن هذا المشروع الجمالي والمعرفي يحتاج إلى باحثين ومفكرين ونقاد كثيرين بل يحتاج إلى تضافر معرفي وجمالي وفلسفي ولغوي وثقافي وسياسي، لتأسيس شعريات الثورات العربية، فهو مشروع بين معرفي، يخترق أكثر من معرفة وتخصص ومنهج في وقت واحد، ولا ندعي أننا قادرون بمفردنا على إنجاز ذلك، بل يكفينا شرف التنبيه وفتح الطريق أمام معظم الباحثين العرب لتأسيس هذا الباب الواسع من أبواب المعرفة التشعبية الدينامية المفتوحة، وربما كان هذا البحث محاولة نقدية ومعرفية وجمالية متواضعة للتحقق من صدق فرضيتنا العلمية السابقة. والتي آمل أن أضع لها أسساً معرفية وتخييلية ومنهجية في هذا الكتاب». الطرح المعرفي والجمالي فى هذا الجزء مختلف وفقاً للمؤلف عما كتب قبلاً في أدبيات الخروج والتحريض والهجاء السياسي، ليست الغاية تتبع ألوان الهجاء السياسي الذي أبدع فيه شعراء كثيرون على مدار الشعرية العربية قديماً وحديثاً، في هجو الحاكم أو القاضي أو الحاجب أو المرتشي أو التمرد على بعض القيادات التنفيذية في الدولة، فليست الغاية شعرية التمرد، أو شعرية الخروج والرفض، أو شعرية الاستغاثات برجال السلطة ضد ظلم الولاة والحجاب قديماً وحديثاً، أو الشعر السياسي للفرق الإسلامية المختلفة والمتعددة عبر الجماليات الشعرية العربية، أو شعريات الحرب، وهي أدبيات سياسية كثيرة في موروثنا الشعري العريض، فالبحث هنا لا يتجه صوب شعرية الحروب والمعارك وأيام العرب ووقائعها وانتصاراتها وهزائمها.