عندما أطلق الأمريكيون استراتيجية الشرق الأوسط الجديد وأتبعوها باستراتيجية الفوضى الخلاقة في نفس المنطقة، وذلك في عهد الرئيس الأمريكي "جورج بوش" الابن، ظلت ردود الفعل من أصحاب الشأن وممن كان يفترض أنهم محللون سياسيون وكتاب وخبراء أمنيون ومراكز متخصصة في المنطقة المستهدفة، وهي المنطقة العربية، تتراوح بين الاستبشار والتحفظ وعدم إدراك المقصود، وذلك على وقع تلك التقسيمات التي تشبه التبشير بزرع وتأصيل الديمقراطية في العراق كمبرر لغزوه واحتلاله وتدميره وتعميق روح الطائفية والانقسام تمهيدا لتقسيمه إلى دويلات متناحرة يصب تناحرها في صالح إسرائيل. وفي هذا السياق، قال موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي إن مصطلح الشرق الأوسط الجديد تم إدخاله في يونيو عام 2006، وقد صدر من تل أبيب قبل زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس"، استبدلا لمصطلح الشرق الأوسط الكبير. ويضيف الموقع أن هذا التحول في العبارات السياسية الخارجية يدعو لخدمة المصالح الإسرائيلية الأمريكية في المنطقة، كما أن هذا الإعلان كان تأكيدا لخارطة الطريق العسكرية الأنجلو أمريكية-إسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، موضحا أن هذا المشروع يمر بالعديد من مراحل التخطيط على عدة سنوات، من خلال خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار والعنف في لبنان وفلسطين وسوريا والعراق، بالإضافة إلى الخليج العربي وإيران، وصولا إلى حدود الناتو في أفغانستان. ويشير الموقع إلى أن لبنان هي نقطة انطلاق مشروع الشرق الأوسط الجديد، كان ذلك باتفاق تل أبيب وواشنطن، حيث إطلاق قوى الفوضى في هذا البلد، ومن هنا يمكن إعادة رسم الخريطة الخاصة بالشرق الأوسط وفقا للاحتياجات والأهداف الجيواستراتيجية. ويوضح "جلوبال ريسيرش" أنه يمكن القول بكثير من الاطمئنان إن الإستراتيجية الغربية تجاه العالم العالم العربي منذ منتصف القرن 19 تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات إثنية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه. ويرى الموقع الكندي أن إسرائيل تم غرسها في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف، فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقلا إستراتيجيا واقتصاديا وعسكريا، ويشكل عائقا أمام الأطماع الاستعمارية الغربية. وفي مقال بعنوان "الولاياتالمتحدة متواطئة مع إسرائيل في تحطيم لبنان" يقول المعلق الأمريكي "بول كريغ روبرتس" إن ما نشاهده في الشرق الأوسط هو تحقق خطة المحافظين الجدد في تحطيم أي أثر للاستقلال العربي الإسلامي، والقضاء على أي معارضة للأجندة الإسرائيلية. وهذا التصور للشرق الأوسط ينطلق من تصور أن التاريخ متوقف تماما بهذه المنطقة، وأن الشعب العربي سيظل مجرد أداة بيد معظم حكامه الذين ينصاعون بشكل أعمى للولايات المتحدة، وأن هذا الشرق العربي مجرد مساحة أو منطقة بلا تاريخ ولا تراث مشترك تقطنها جماعات دينية وإثنية لا يربطها رابط وليس لها ذاكرة تاريخية ولا إحساس بالكرامة، فالعربي مخلوق مادي اقتصادي تحركه الدوافع المادية الاقتصادية.