يقدم رسالة واضحة، كي لا يتحول العربي إلى ذاكرة نصية نقلية، بدلًا أن يكون قدرة عقلية جديرة باستنهاض الواقع وتطويره، لكي يتم له ذلك، لابد من إعادة قراءة تاريخنا الفكري؛ للاستعانة بكل ما يمدنا بعقلنة سلوكنا ويمنحنا قدرةً على مواجهة التحديات المعاصرة. صدر مؤخرًا عن دار آفاق للنشر والتوزيع، ضمن سلسلة إصدارات الصالون الثقافي العربي، كتاب جديد بعنوان «في الاختلاف والتنوير»، تأليف الباحث والأكاديمي والدبلوماسي العراقي، وسفير العراق لدى جامعة الدول العربية، الدكتور قيس جواد العزاوي. الكتاب إعادة اعتبار للاختلاف وعلم المناظرة التي برع بها العرب، وكانت سبيلهم للمزيد من المعرفة، إنه محاولة للتذكير بتاريخ العقلانية العربية، وكيف نقل العرب علوم الغرب والشرق وترجموها وشرحوها ورفعوا لواء العلم والمعرفة، الكتاب يسد ثغرةً في المكتبة العربية لكونه يسلط الأضواء على عملية تلقي الفكر الغربي للعلوم والفلسفة العربية ومساراتها وملابساتها. يذكرنا المؤلف بأن المعرفة لا وطن لها، وكما قيل "خذ الحكمة أنى كانت،…" فقد أخذ العرب من الصين والهند وبلاد فارس واليونان، وأخذ الغربيون من العرب، ونأخذ من الغربيين اليوم، فلا عودة لنعت ناقلي العلوم بالمستعربين أو المستغربية فالحضارة إنسانية كونية أولاً وأخيرًا. الدكتور قيس العزّاوي، حاصل على دكتوراة في التاريخ الحديث وعلم الاجتماع بدرجة الامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من جامعة السوربون، وضع العديد من الكتب والمؤلفات الهامة، منها: "رايش والتحليل النفسي، الدولة العثمانية قراءة في عوامل الانحطاط، من الخلافة إلى الانقلابات العسكرية (باللغة الفرنسية)، العرب والغرب على مشارف القرن الحادي والعشرين، مبدأ المواطنة في بلد متعدد القوميات والأديان والطوائف، إشراقات: أوراق ثقافية"، وعدد آخر من المؤلفات والبحوث والمقالات. عمل سفيرًا لبلاده في جامعة الدول العربية، وأسس مع كوكبة من المثقفين العرب "الصالون الثقافي العربي" بالقاهرة، ويعد هذا الكتاب هو الكتاب الثاني عشر من سلسلة كتب الصالون، بالتعاون مع دار آفاق للنشر والتوزيع، سبقه عدد من الكتب حول عدد من كبار المفكرين والمثقفين العرب، منهم: الدكتور صلاح فضل، والدكتور مصطفى الفقي، والدكتور جابر عصفور، والدكتور يحيى الجمل، وغيرهم. في كتابه «الدولة العثمانية: قراءة جديدة لعوامل الانحطاط»، الصادر عن الدار العربية للعلوم ناشرون، عام 2003، قدم قراءة جديدة لعوامل انحطاط الدولة العثمانية، أو بالأحرى دراسة عوام لم ينل بعضها حظه من البحث والتمحيص على الرغم من أهميته واستمرارية تأثيره على واقعنا الإسلامي حتى يومنا هذا، كما لم يدرس بعضها الآخر بشكل واف يتلاءم وحجمه المؤثر في تاريخنا، أو أنه قوم بشكل آخر كأن اعتبر بداية نهوض وتقدم كالتنظيمات مثلاً، وهي عكس ذلك، لأنها كانت بداية ربط الدولة بأنظمة السوق العالمية وإخضاعها لمقتضيات التحديث والتغريب. وهذه العوامل هي: نظام الامتيازات الأجنبية التنظيمات، الوصاية الغريبة على الأقليات الدينية، تغلغل القوانين الوضعية على حساب الشريعة الإسلامية، الفكر القومي التركي، سياسة التتريك والدعوة إلى قيام دولة طورانية. إن قراءة هذه العوامل تمت في ضوء الوثائق العربية والأجنبية، وحرصت على أن تنزع من الحدث تاريخيته، ولم تقدمه بمعزل عن أطره السياسية المحلية والدولية ومجالاته الاجتماعية، بل تعاملت معه كجزء من مركب متكامل. إلا أن الكتاب أثار بعض القراء، الذين لم يتفقوا مع ما قدمه المؤلف فيه، فانتقده أحدهم قائلًا: هناك ركاكة فظيعة في الأسلوب التحليلي، وانتقائية في اختيار الشواهد، وإغفال أهم سبب فعلي وهو دخول الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى. أما كتابه الجديد، وهو لم يختبر آراء الجمهور حتى الآن، فيحاول «العزاوي»، فيحاول مواجهة التحديات المعاصرة،من خلال إعادة قراءة التاريخ الفكري.