«رجال الداخلية يشعرون بأنهم فوق الدستور والقانون، وعدم وجود رادع يجعلهم يرتكبون جرائم التعذيب بحق المواطنين».. كلمات عبر بها حقوقيون عن رأيهم في تجاوزات أفراد الشرطة بحق المواطنين المحتجزين بالأقسام والسجون، وتزايد حالات التعذيب التى أوردتها المنظمات المدنية، وكان آخرها منذ يومين التقرير الصادر عن مركز النديم لتأهيل ضحايا التعذيب والذي ذكر أن حصر ضحايا التعذيب في السجون وأقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز، خلال شهر أبريل الماضي، شمل قرابة 117 حالة، مؤكدا أن التجاوزات تتم تحت مرأي ومسمع من النظام ولا يتخذ رد فعل تجاهها لعدم توافر إرادة سياسية حقيقية في تغيير الوضع. الوزارة لم تتغير منذ عهد المخلوع.. وسياسة التعذيب مستمرة لغياب الرادع يقول محمد لطفي، مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، إنه إلي الآن لم يحدث تغييرات حقيقية في طريقة إدارة وزارة الداخلية وتعاملها مع المواطنين، أو في اللوائح الداخلية المنظمة لعمل الموظفين ومراقبة سلوكهم بها، مشيراً إلي أن سياسة الداخلية مازالت مستمرة في عدم احترام حقوق وحريات الفرد. ويضيف "لطفي" أن السبب الرئيسي لما ترتكبه الداخلية من حالات تعذيب داخل السجون، عدم وجود رادع للمقصر أو محاسبة للمسئولين عن الوقائع التي يثبت فيها تورط أشخاص في تعذيب مواطنين، مما كرس شعور لدي رجال الداخلية بأنهم فوق الدستور والقانون، ولهم حق القيام بأي فعل دون رقيب، متابعا أنه حتي في بعض الحالات التي يتهم فيها أشخاص بالوزارة ومعاقبتهم نجد أنهم في النهاية يتحصلوا علي أحكام مخففة لا تتناسب مع حجم الجريمة المرتكبة بحق المواطن أو يحصل علي البراءة المطلقة من التهمة. ويوضح مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات أن الأوضاع داخل وزارة الداخلية لم تتغير منذ أيام المخلوع مبارك، وجرائم التعذيب ترتكب بحق المواطنين، فضلا عن عدم احترام آدمية وحقوق المواطن المصري، لافتاً إلي أن النظام الحالي لا تتوفر لديه الإرادة السياسية للتغيير وخاصة الهيكل الإداري للوزارة الذي طالب الجميع بإعادة هيكلته، لكن دون جدوي. وتابع: المسئول عن التحقيق في جرائم التعذيب التي يرتكبها رجال الداخلية هي النيابة العامة، وبالنظر إلي طبيعة العلاقات في عمل جهات التحقيق، نجد أن رجال النيابة العامة غالباً ما يكونوا أصدقاء لرجال الداخلية بحكم العمل ومتطلبات الوظيفة، ما يعني أنه لن يقوم بالتفتيش علي صديقه دون تحذيره لاتخاذ احتياطاته، وبالتالي فهو يدحض خاصية الحياد في التحقيق، إلي جانب أن من يجرون التحريات، أنفسهم المسئولون عن واقعة التعذيب، وبالتالي يكون الجلاد والقاضي شخص واحد فينتفي بذلك مبدأ العدالة. وطالب مدير المفوضية المصرية للحقوق والحريات، بضرورة أن تكون الرقابة علي وزارة الداخلية من هيئة محايدة خارج إطار الهيكل الوزاري، مشدداً علي أن قطاع حقوق الإنسان بالداخلية لا يقوم بدوره علي أكمل وجه في التصدي لحالات خرق حقوق المواطن، وإنما يتفرغ لتبرير مواقف رجال الوزارة في حالات التعذيب، وأن الحل الأمثل في إعطاء مهمة الإشراف لجهاز إداري بالدولة خارج الهيكل الوظيفي للداخلية كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات المدنية؛ لضمان تحقيق العدل وإظهار الحقيقة للرأي العام. التعذيب مسلسل مستمر في سجون وأقسام الداخلية من جانبه، يقول محمد زارع، رئيس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، إن التقرير الصادر عن مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب، يكذّب ادعاءات المسؤولين في وزارة الداخلية بكون حالات التعذيب فردية وتتم معاقبة المتورطين بها، مشيراً إلي أن التعذيب وسوء المعاملة والبلطجة الشرطية في مصر، ليست تجاوزات ضابط هنا أو هناك أو أمين شرطة هنا أو هناك، بل سياسة دولة تمارسها كل قطاعات الأمن بداية من شرطة المرور إلى أمن الجامعة إلى ضباط الشرطة إلى ضباط أمن الدولة، في الشارع والمنازل وأقسام الشرطة والسجون، ضد رجال ونساء وشيوخ وأطفال. ولفت "زارع" إلى أن الممارسين لهذه الجريمة يتمتعون بالحصانة والإفلات من العقاب، والمؤسسة الراعية لهم لا تحترم دستوراً ولا قانوناً، تمارس البطش في التعامل مع أعدائها السياسيين، ومع كل من تسول له نفسه أن يتحدى بطشها ولو بالكلمة والاحتجاج على الإساءات اللفظية، وطالما لا يوجد رادع فالجرائم مستمرة. وأكد رئيس منظمة الإصلاح الجنائي أنه وبرغم زيارة المجلس القومي لحقوق الإنسان المصري "الحكومي" لسجن أبو زعبل وإصدار تقريره الذي أشار فيه إلى وجود انتهاكات بحق المحتجزين وإلى سوء أوضاع الاحتجاز، ورغم ما نُشر في بعض الجرائد من تقارير، ما زالت الأمور على ما هى عليه، مشدداً علي أن الداخلية لا تريد للأوضاع أن تتحسن، وإنما تسعي للإبقاء علي سطوتها وخرقها لكافة قوانين حقوق الإنسان وعدم احترام آدمية المواطن.