في الوقت الذي يحاول فيه الجيش السوري السيطرة على الأماكن التي دخلتها الجماعات المسلحة الإرهابية وعاثت فيها فسادًا، لاتزال تمتد يد الدعم لهذه المجموعات، مما يجعل الجيش السوري يخوض معركة متشابكة تتمثل في محاربة الإرهابين داخليًّا ومواجهة داعميهم خارجيًّا. بمساعدة الحكومة التركية وبدعم من بعض الدول العربية دخل أكثر من 500 عنصر مسلح إلى الأراضي السورية في الفترة الأخيرة عبر الحدود التركية، لخوض ما أسموه "معركة النصر" إلى جانب "جيش الفتح" وبقيادة "جبهة النصرة" للسيطرة على مدينة "جسر الشغور". قال مصدر مقرب من مسلحي حركة "أحرار الشام" في مدينة إدلب شمال غرب سوريا: "المعركة خطط لها على مدى شهر كامل، من داخل غرفة عمليات أقيمت داخل الحدود التركية، على مقربة من الحدود السورية مع محافظة إدلب، ويديرها ضباط في الجيش والاستخبارات التركية، بمساعدة زملاء لهم من دول غربية داعمة للمسلحين وراغبة في خلق توازن ميداني جديد، لدفع الحكومة السورية للجلوس على طاولة تفاوض جنيف 3 بسقف منخفض". وأفاد شهود عيان نزحوا من مدينة "جسر الشغور"، بأن "ما لم ترصده كاميرات وسائل إعلام المجموعات المسلحة التي تساندها مشاهد الحشود الغفيرة من المسلحين العرب والأجانب الذين دخلوا شوارع جسر الشغور، وخصوصًا من الجهتين الشمالية والجنوبية، والحاملين لأعلام جبهة النصرة وأحرار الشام، والكثير منهم من القوقازيين ولاسيما الشيشانيين الذين يقاتلون في صفوف جند الشام والأقصى، التابعين لتنظيم القاعدة". ولفت شهود العيان إلى أن "المسلحين العرب، وبخاصة من تونس وليبيا والمغرب والسعودية، والمنخرطين في صفوف التنظيمات المتشددة، فضلوا وضع ألثمة على وجوههم لعدم معرفة ملامحهم وتمييزها من أهاليهم وأقاربهم في مدنهم، وابتعدوا عن التصريح إلى وسائل الإعلام بأوامر من قياداتهم". المسلحون تمكّنوا من الدخول إلى أغلب أحياء المدينة في سيناريو شبيه لمدينة إدلب، مما جعل المدنيين يهربون باتجاه قرية الزيارة القريبة، مع مخاوف كبيرة من إمكانية حدوث مجزرة ضد أهالي قرية اشتبرق التي تقع شمال جسر الشغور. في السياق ذاته وانطلاقًا من ذلك، بدأ الجيش السوري خوض معارك ضارية مع كل هذه المجموعات المسلحة الإرهابية، المتدفقة بأعداد كبيرة عبر الحدود التركية إلى مدينة جسر الشغور بريف إدلب، حيث تمكنت وحدات الجيش السوري من إعادة انتشارها بنجاح في محيط مدينة جسر الشغور، تجنبًا لوقوع ضحايا في صفوف المدنيين، وعززت مواقعها الدفاعية ووجهت ضربات مركزة على تجمعات الإرهابيين وخطوط إمدادهم في جسر الشغور. وأوضح الشهود، أن جثث مئات المسلحين تناثرت في شوارع المدينة وساحاتها، كما في ساحة الصومعة، حيث دارت اشتباكات عنيفة مع الجيش السوري الذي استطاع تسديد ضربات موجعة على تجمعات ومراكز المجموعات الإرهابية داخل المدينة وفي محيطها، مخلفًا خسائر بشرية وعسكرية كبيرة في صفوفهم. وقال مصدر عسكري: سلاح الجو في الجيش السوري دمر رتل عربات للتنظيمات الإرهابية قادمًا من الحدود التركية على محور قريتي القنية الجانودية في ريف إدلب الغربي، وأشار إلى أن سلاح الجو في الجيش السوري نفذ ضربات مركزة دمر خلالها عشرات العربات، بمن فيها من إرهابيين في بشلامون وعين الباردة وعين السودة في منطقة جسر الشغور، في وقت استهدف فيه سلاح الجو رتلًا للتنظيمات الإرهابية على محور كنيسة نحلة المعلقة شرق جسر الشغور. قرية اشتبرق جنوبالمدينة أيضًا شملها الهجوم، مما جعل وحدات الجيش السوري تقاتل لتأمين خروج الأهالي عبر الحقول والتلال إلى قرية الزيارة القريبة. ولمدينة "جسر الشغور" الواقعة في الريف الغربي لمحافظة إدلب أقصى الشمال الغربي للحدود السورية التركية أهمية استراتيجية بالغة، وتمسك في أطرافها جبل الأكراد في ريف اللاذقية، تعتبر المدينة حلقة وصل وممرًا إجباريًّا بين المدن الساحلية ومحافظتي إدلب وحلب شمال سوريا؛ بسبب وجودها على الطريق الدولي الذي يصل حلب باللاذقية، بالإضافة إلى قربها من الحدود التركية. تمثّل المدينة بوابة المنطقة الساحلية وعلى الخط الفاصل مع الحدود التركية السورية، وتقع غرب مدينة إدلب، وهذا الموقع أكسب "جسر الشغور" أهمية استراتيجية كبيرة، فضلًا عن أنها تتميز مع القرى المحيطة بها بالتنوع الطائفي والديني، حيث يبلغ عدد سكانها 150 ألف نسمة. بسطْ المسلحين سيطرتهم على المدينة قد يؤمّن لهم قاعدة انطلاق لفتح معارك وجبهات أخرى في ريف إدلب واللاذقية، مما قد يهدد طرق الإمداد للجيش السوري نحو حلب واللاذقية، لكن إمساك الجيش السوري بزمام المبادرة سيبعد هذا الاحتمال، مع وجود قواعد خلفية له في ريف اللاذقية والمدينة، وإبقائه على مواقع له في ريف إدلب تحديدًا في بلدتي أريحا والمسطومة على بعد خمسة وعشرين كيلو مترًا من جسر الشغور.