طلّ علينا الرئيس السيسى منذ أيام معلنًا تأجيل الانتخابات البرلمانية "حتى نهاية الشهر الفضيل" وتناسى وجود لجنة عليا للانتخابات، وأخرى لتعديل قانون تقسيم الدوائر، بعد أن أبطلته المحكمة الدستورية العليا، وأن هاتين اللجنتين هما المختصتان بتحديد وإعلان موعد إجراء الاستحقاق الثالث لخارطة الطريق، الذى طال انتظاره. الواقعة تسلط الضوء على المشهد السياسى المرتبك الذى تخيم عليه سلطوية النظام البحتة مغلفة ب"هتيفة، ومعارضة صورية، وناقمين". فى خطوة بدت وكأنها امتثالا لمبدأ "الشعب مصدر السلطات"، أجرت الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب، حوارًا مجتمعيًا مع الأحزاب والقوى السياسية المختلفة؛ لتعديل قانون الانتخابات على مدار ثلاث جلسات، كان أشبه بحوار طرشان أو بالحرث فى المياه؛ بعدما أكدت غالبية القوى المشاركة عدم جدوى الحوار فى ظل إصرار الحكومة على تنفيذ أجندتها المحددة سلفًا، معتبرة أن جلسات الحوار المجتمعى "سد خانة"، الأمر الذى أعقبه إعلان العديد من الأحزاب والقوى السياسية على رأسها الوفد، والمصري الديمقراطي، والمؤتمر، والتحالف الشعبي، والكرامة، والتيار الشعبي، رفض القانون وعدم خوض الانتخابات البرلمانية، لنعود من جديد إلى نقطة الصفر من انشقاقات وصراعات كسمة لمرحلة ما بعد ثورة يناير. لا يغفل القاصى والدانى أن الشعب المصرى يعيش حياة مأساوية وصراعات دائمة بحثًا عن لقمة العيش، والنظام لا يكترث بقنبلة موقوتة قد تنفجر أى وقت فى وجهه، ويستمر فى استفزازاته، بدءًا ب"أمن الخليج مسافة السكة"، مرورًا بالمشاركة فى حرب اليمن واستعراض قوة الجيش المصرى فى حماية أشقائه على حساب اقتصاد منهك، وانتهاءً ب"تأجيل الانتخابات حتى نهاية الشهر الفضيل". وهنا أتساءل: أين أطفال الشوارع من مسافة السكة؟ أين مشكلة العشوائيات التى تهدم كل يوم على رءوس قاطنيها من مسافة السكة؟ أين كوارث التعليم وحرق الكتب على مرأى ومسمع من الوزارة من مسافة السكة؟ أين مشاكل الصحة التى لا تنتهى من مسافة السكة؟ أين جرائم الإرهاب التى تحصد أرواح عشرات المصريين يوميًا من مسافة السكة؟ أين القمع الأمنى وجرائم السحل والتعذيب داخل أقسام الشرطة والسجون من مسافة السكة؟ أين العدالة الاجتماعية واحتواء الفقراء من مسافة السكة؟ أين النهوض بالاقتصاد المصرى وانتشاله من عثرته من مسافة السكة؟ وأين دولة ثارت على أشياء مازالت باقية؟