ظلت ترعة المحمودية بالإسكندرية لسنوات طوال بمثابة شريان الحياة لمحافظة الإسكندرية، فهى تمد سكانها بمياه النيل، وكانت تسمح بمرور المراكب التجارية من الإسكندرية لنهر النيل، إلا أن ذلك كان في عهد محمد علي، وأصبحت الآن مرتع لمتعاطي المخدرات والحشرات والحيوانات النافقة، فضلاً عن القمامة التي تعد أهم عوامل تلوثها. يعاني محمود شعبان، صاحب محل بمنطقة كرموز ومطل على ترعة المحمودية، من الروائح الكريهة المنبعثة من ترعة المحمودية بصفة مستمرة، نجمت عن إلقاء القمامة من قبل المواطنين حتى تراكمت بالشكل الذي حجب المياه تمامًا عنهم، في غياب وتجاهل تام من المسئولين. في فصل الصيف تزداد المعاناة مع ارتفاع حرارة الطقس، فتتكاثر الحشرات وخاصة الناموس التي تتمثل خطورته في الأمراض التي ينقلها من شخص إلى آخر وتمتص ما تحمله القمامة لتحقن به أجساد الآلاف ممن قدر لهم الله العيش أمام ترعة المحمودية، حيث قال شعبان أن جراجات الخيول بالمنطقة تلقي بالحيوانات النافقة في المياه دون رقيب ولا محاسب، وازدادت مع سلبية سكان المنطقة اللذين لم يبدوا أي اعتراض على تلك الأفعال التي تفتك بصحتهم وحياة أطفالهم. وتابع:" حتى لو طالبنا الحكومة تنظفها فالعملية زي ما هي" ذلك ولم ينمى إلى علم شعبان أن مياه ترعة المحمودية هي مصدر مياه الشرب لقاطني الإسكندرية، وكان رد فعله ان قال بضحكة استنكار:" لأ مش معقول تكون هي دي اللي بنشرب منها" مشيرًا إلى أنه لا يوجد أحد يتحدث باسم المتضررين من التلوث الناجم عن إلقاء المخلفات في الترعة، فلا مسئول حكومي ولا حزبي ولا برلماني ولا جمعية تعبأ بهم. إسلام سامي، أحد شباب المنطقة، يقول ان الحشرات والقمامة هي منبع الأمراض التي من المؤكد أنها ستفتك بصحة ضحاياها، خاصة وأن أي مخلفات خاصة بأي شئ يتم إلقاءها في الترعة، من مخلفات السيارات التي اتخذ سائقي الأجرة ضفتيها موقفًا لهم، موضحًا أن تواجد صناديق للقمامة كان من الممكن أن يكون لها أثرها في الحد من كمية المخلفات التي تلقى فيها، إلا أن المحافظة لم تضع أي صناديق على طول الترعة. وأشار أيضًا إلى انه كان يعتقد أن المياه التي تصل بيوت المواطنين تأتي من مصدر آخر غير تلك الترعة الملأى بالحشرات والقمامة والأوبئة، معتقدًا أن العناية الإلهية أنقذته من وصول التلوث إليه عبر مواسير المياه لاستخدامه الفلتر المنزلي في تنقية المياه، وأن كل من لا يمتلك مثله في منزله من المؤكد أنه أصيب بأمراض الكبد والكلى التي انتشرت في الفترة الأخيرة بين نسبة عريضة من المواطنين، مضيفًا:" إذا كانت دي المياه اللي بنشرب منها يبقى البقاء لله". وشدد سامي على ضرورة تحرك المواطنين والمسئولين للحد من ظاهرة التلوث التي وارت المياه من أسفلها وأغرقتها في التلوث لأن أحدًا لن يستطيع اتخاذ تلك الخطوة منفردًا، قائلاً:" محدش بيتحرك لوحده" معتبرًا ان الاهتمام بها هو سلاح ذو حدين نظرًا لأن الشعب نمت لديه ثقافة "الاستسهال" وعدم الاهتمام بنظافة المكان الذي يعيش فيه، وعلى جانب آخر فإن الحكومة يقع عليها اللوم أيضًا في عدم إبداء أي اهتمام بها. يقول سامي شرف، بائع بأحد المحال المقابلة للترعة، ان القوارض والزواحف تخرج من الترعة مساءًا وتثير ذعر الأهالي، وإذا حظيت باهتمام المسئولين لخلت من تلك الحشرات المخيفة، مضيفًا أن مرشحي البرلمان في حملاتهم الانتخابية تستعرض خدماتها فيما يهم المواطن البسيط، وما يهتموا به لا يخرج عن نطاق الطعام، فيذبح البرلماني المرتقب عجلاً أو يوزع مفروشات على الفقراء "ومحدش بيدور على النظافة وأي حد بيدور على الكرسي بس" على حد قوله. رانيا اسماعيل تمر شبه يوميًا على ترعة المحمودية بداية من كوبري الناموس وحتى سموحة، وتصفها بأنها مقلب للقمامة فالجميع يلقي فيها مخلفاته والخيول التي أنشأ أصحابها أكشاكًا للمبيت فيها، والمقاهي المصنوعة من الصفيح على الجانبين بما يزيد من المظهر سوءًا. ولم يهنأ أهالي منطقة حجر النواتية بأعمال النظافة التي قامت بها المحافظة لترعة المحمودية، فبعد أيام تكاثرت فيها أعمال الردم من كل منطقة لتعود مرة أخرى منبع للتلوث، ذلك بخلاف المخاطر التي يتعرض لها مستخدمي الكباري التي تربط بين ضفتي الترعة جراء توقف أعمال الإنشاء واستخدام سلالم خشبية ضعيفة. وأشارت اسماعيل إلى ان عواميد الإضاءة على طول الطريق توجد بها عواميد إضاءة، إلا أنها متهالكة وغير مضاءة ليلاً، بالإضافة إلى قلة الحركة فيها تجعل من الفتيات يخشين المرور منها أو حتى الشباب خوفًا من وقوع أية اعتداءات عليهم من قبل متعاطي المواد المخدرة أو السارقين. من جانبه قال محمد سلومة، وكيل إدارة شئون البيئة بمحافظة الإسكندرية، ان جهاز شئون الييئة بالقاهرة يجري في الفترة الحالية دراسات لدخول ترعة المحمودية ضمن خطة التطوير التي ستشهدها محافظة الإسكندرية، حيث من المقرر أن يمر بها خط مترو الأنفاق المزمع إنشاؤه. وأضاف في تصريح ل" البديل" ان إدارة شئون البيئة قامت خلال الإسبوعين الماضيين بعمل حملة لتطهير التعديات على الترعة، بالتعاون مع مديرية الزراعة وشرطة المسطحات المائية و وزارة البيئة، وبحضور هاني المسيري، محافظ الإسكندرية. وأشار سلومة إلى ان الواء طارق المهدي، محافظ الإسكندرية السابق، بذل مجهودات كبيرة خلال الأشهر الماضية من أجل تطهيرها، ومن المتوقع أن يقوم المسيري بالأفضل، حيث تقوم المحافظة بعمل منظومة فصل المخلفات من المنبع، فضلاً عن اجتماعات التوعية الشاملة للبدأ في العمل بها بدأت في المدارس وفي كافة الأحياء بفريق عمل كامل.