في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الأحداث باليمن وتلوح السعودية بالتدخل العسكري في اليمن لإنقاذ الرئيس المستقيل "عبد ربه منصور هادي"، وكذلك تسير دول مجلس التعاون الخليجي على نفس مسار المملكة وتتخذ نفس مواقفها، تتبنى سلطنة عمان رؤية مغايرة لموقف المملكة بشأن الأزمة اليمنية، حيث لم تنقل سفارتها من العاصمة صنعاء إلى عدن كما فعلت باقي دول مجلس التعاون الخليجي. لا شك بأن الوضع في اليمن وتقدم جماعة "أنصار الله" وقرب حسمها للمعركة هناك ألقى بظلاله على الدول الخليجية، وأربك العديد من الدول التي تسعى إلى احتفاظ "منصور هادي" برئاسة اليمن نكاية في جماعة "أنصار الله"، فمعظم الدول سعت إلى دعم الرئيس اليمني بشكل معلن، ومن أبرزها السعودية وقطر اللتان اتخذتا موقفا موحدا وسريع بنقل سفارات بلادهم إلى مدينة "عدن" بعد أن أعلنها الرئيس "هادي" عاصمة اليمن كأمر واقع، بعدما تمكن الرئيس اليمني من الفرار من صنعاء. الخطوة السعودية القطرية تبعتها خطوة أخرى مماثلة من الدول التابعة لمجلس التعاون الخليجي والتي اعتادت أن تسير تحت العباءة السعودية، فبعد أيام أعلنت كل من الكويتوالإمارات والبحرين أنها ستعيد فتح سفارتها في اليمن من مدينة عدن الجنوبية كعاصمة جديدة للبلاد، في خطوة تؤكد الدعم الكامل للرئيس المستقيل، ومحاولة لعزل جماعة "أنصار الله". انتهجت سلطنة عمان خطا مستقلا عن ذلك الذي تسير فيه دول مجلس التعاون الخليجي، حيث عرفت عمان باختلاف مواقفها فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية عن موقف شركائها الخمسة في مجلس التعاون، فقد كانت أول من رعى المفاوضات التي أنتجت اتفاق "السلم والشراكة" في اليمن. تتبع سلطنة عُمان دائمًا سياسة مرنة في علاقاتها الدولية والإقليمية تختلف عن تلك المواقف المتشددة التي تتبعها باقي دول مجلس التعاون الخليجي والتي تحرص فيها تلك الدول على رعاية مصالحها أولًا، حيث جاءت التحركات الدبلوماسية العُمانية بشكل مختلف على أكثر من مسار، فكانت أول من قام بدور محوري في رعاية المفاوضات النووية بين الغرب وإيران وتقريب وجهات النظر في الوقت الذي ترفض فيه المملكة السعودية وحلفائها في مجلس التعاون أي تعامل مع إيران باعتبارها "العدو اللدود". نسجت مسقط علاقات قوية مع طهران في السنوات الأخيرة خاصة بعد أن اندلعت خلافات حدودية بين السلطنة من جانب ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة السعودية من جانب آخر، حيث لجأت السلطنة إلى تقوية علاقتها مع إيران في الوقت الذي كانت فيه كافة دول الخليج تعتبر إيران العدو الأكبر لها في المنطقة، ومؤخرا وقعت سلطنة عمان اتفاقيات تعاون عسكري مع إيران، شملت حصول طهران على تسهيلات لأسطولها البحري في الموانئ العمانية الواقعة على مضيق هرمز، كما أعلن خلال الزيارة التي قام بها وزير الدفاع العماني إلى طهران في شهر سبتمبر عام 2013، التوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون الدفاعي بين الجانبين، ويُعد ذلك أول اتفاقية عسكرية من نوعها للتعاون الدفاعي بين دولة عربية خليجية وإيران. التقارب بين إيران وسلطنة عُمان والرؤية المغايرة التي تتبناها حيال الأزمة اليمنية يعزز من فرص لعب الأخيرة دور الوسيط من أجل تسوية الأزمة في اليمن، حيث عرضت مسقط على السعودية خطة سياسية في إطار المبادرة الخليجية للمساهمة في حل الأزمة اليمنية، وذلك من خلال نقل الحوار اليمني إلى السلطنة على اعتبارها أرض محايدة وغير متحيزة لأي من الأطراف المتحاربة، وتبذل السلطنة مساع رسمية لإقناع الرئيس "هادي" بقبول نقل الحوار بين الأطراف السياسية اليمنية إلى العاصمة العمانيةمسقط بعد أن فشل نقل الحوار إلى الرياض بسبب اعتراض جماعة "أنصار الله" على اعتبار أن المملكة متحيزة وداعمة للرئيس "هادي". تشعر السعودية أن دور سلطنة عُمان أصبح محوريًا في المنطقة، وأنها تؤدي دور الوسيط في الكثير من الأزمات وبات دورها مرحبًا به في أكثر من منطقة لاسيما في اليمن، ما جعل السعودية تعبر عن قلقها من تعاظم الدور العماني، وهو ما أدى إلى أزمات غير معلنة بين البلدين خاصة مع اعتماد الدبلوماسية العُمانية على العمل بعيداً عن الأضواء الإعلامية.