تعكف وزارة التربية والتعليم، بقيادة الدكتور محب الرافعى، على مراجعة شاملة لمناهج اللغة العربية والتاريخ في جميعمراحل التعليم ما قبل الجامعى، في خطوة تبدو الأجرأ لتنقيح المناهج من عبارات وفصول ودروس تحرض على العنف وتغرس قيم من شأنها الإضرار بالطالب والوطن. وتعمل وزارة التربية والتعليم على حذف بعض الدروس التى رأت أنها تحرض على العنف والتطرف، أبرزها "ثورة العصافير" من الصف الأول الابتدائي، و"نهاية الصقور" من الثالث الابتدائي، و"صلاح الدين الأيوبي" من الخامس الصف الابتدائي، ومقرر حذف 6 فصول كاملة من قصة عقبة بن نافع بالصف الأول الإعدادي، وكان نصيب الصف الأول الثانوي حذف "الهدم والبناء"، وغيرها من المناهج التي اكتشفت وزارة التربية والتعليم انها تحرض على العنف، ولا تلائم عمر التلميذ. الهوية المصرية في خطر.. وترسيخ المواطنة ينهض بالتعليم قال محمد فتح الله، الخبير التربوي، إن مراجعة وزارة التربية والتعليم لجميع كتب اللغة العربية بجميع المراحل التعليمية، أمر جيد ونشجعه، مضيفا: «لكن أرجو أن تأخذ المراجعة اتجاها عميقا بعيدًا عن الحذف فقط، فمن المفترض أن تضع الوزارة المناهج وفق مجموعة من المعايير تناسب عمر التلميذ، ومستوى قدراته العقلية، وطبيعة المادة العلمية، والهدف من وراء تلك المناهج». وتابع "فتح الله": «فمثلًا، منهج التاريخ يركز على استمرار الصراعات بين الحضارات، في الوقت الذي كان يتطلب التركيز على المسيرة التاريخية في سبيل البحث عن قيم العدل والمساواة والحرية والديمقراطية وترسيخ تلك القيم وفق المضمون»، مطالبا القائمين على مراجعة اللغة العربية بأن يكون معيارهم في المناهج يرسخ قيمة المواطنة بين جميع أطياف الوطن دون تمييز بين عرق ودين ونوع، بعد أن أدار مبارك ظهره للتعليم الحكومي، فتمكن المتطرفون من المناهج فحرفوها ورسخوا التمييز بين الرجل والمرأة، وأجبروا المسيحيين على حفظ القرآن وكأن اللغة العربية كتاب للتربية الدينية الإسلامية، ما يعد بمثابة كارثة تربوية». وأوضح الخبير التربوي أن العبء لا يكمن فقط فى تغيير المناهج الدراسية، لكن لابد من النظر إلى القيم التي يرسخها المدرس وتوجهاته والمناخ المدرسي وتوجيه الإدارة؛ حتى تحدث حالة تناغم بين الجميع لنجاح المنظومة التعليمية، بدلًا من أن تعمل كل جهة وحدها دون مشاركة، مستطردا: «لم يعد للدولة مشروع ثقافي ووطني نلتف حوله جميعًا ونرسخه داخل الطلاب من خلال المناهج». وأضاف: «أنتج الأديب طه حسين كتابا يتناول التعليم عام 1937 سماه "مستقبل الثقافة"؛ لدعم المعنى العصري للثقافة من خلال الدستور والبرلمان والمساواة والحرية والديمقراطية، وفي مرحلة الستينيات كانت الدولة تتبنى مشروعا لمواجهة الاستعمار، وعندما تخلت عنه في عهد السادات ثم مبارك، ضاعت هوية المواطن المصري ونسى عدوه الذى يكبد فلسطين مرارة الاحتلال كل يوم». الطالب أصبح عبدًا للحفظ.. والحذف ليس حلاً للتطوير من جانبه، قال رضا مسعد، الخبير التربوي، إن تغيير المناهج واتباع أسلوب الحذف ليس الحل الأمثل لتطوير العملية التعليمية في مصر؛ خاصة أن المناهج الدراسية تفتقد لتصور أساسي قبل كتابتها، وأن العملية تتم بصورة عشوائية دون هدف واضح، مضيفا أن الطالب في مصر صار عبدًا لعملية الحفظ التي تقتل الحس الإبداعي منذ نشأته، وفي المقابل غياب دور المدرس الذي لا يحاول تغيير استراتيجية الحفظ ويكتفي بإنهاء حصته، حتى صارت العملية وظيفية بحته تفتقر للتربية وبناء القادة والعلماء منذ الصغر. واختتم: «بعد كل عام دراسي، تنتهي علاقة التلميذ بالمناهج التي درسها، ويبدأ صفحة جديدة بيضاء يكتب فيها من جديد، وهكذا حتى ذهابه إلى الجامعة، فنجد طلابا في الثانوية العامة غير قادرين على كتابة أسمائهم».