ماذا بعد؟ كيف يستطيع أي نظامٍ في أي مكانٍ في العالم أن يثبت أقدامه؟ للحقيقة يلجأ النظام أي نظامٍ لعدة وسائل للحفاظ على رأسه، الرأس هو الأساس في كل هرمٍ بالتأكيد، وإذا كنا نتحدث مصرياً، فإن "الأهرامات" وأبو الهول خلفها ضرورةٌ حتمية. وبالعودة للفكرة الرئيسية، تلجأ الأنظمة بدايةً إلى الدين كأسهل الطرق وأسرعها للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها فشعبنا بفطرته متدينٌ وعاطفي. وماذا إن استعمل الدين في السابق؟ تلجأ الأنظمة إلى استعمال الاقتصاد كبديلٍ عن الدين، فتلجأ إلى تجويع مواطنيها، وإمساكهم من لقمة عيشهم، فالرزق أصل الحياة وتنص عليه كل الدساتير والنواميس. وماذا أيضاً إن لم يتأثر المواطن الجائع أصلاً بجوعه الجديد؟ تلعب الأنظمة ورقة الإرهاب والأمن والموت والدمار القادم (من أي مكانٍ أو جهةٍ لا يهم). بعد تلك المرحلة تكون هناك مرحلة "الخلط" وهي مرحلة يعمد النظام فيها إلى دمج كل الأمور مع بعضها بهدف "كبح" جماح الشعب. أما ما تلا ذلك؟ تلك إجابةٌ يعرفها الجميع: 25 يناير. تسعى الأنظمة في المعتاد لا إلى البقاء في السلطة فحسب، بل إلى حماية نفسها ومكتسباتها حال وصولها إلى السلطة، كي نفهم هذا الأمر، يجب أن نأخذ –على سبيل المثال لا الحصر- تجربة الإخوان المسلمين في الحكم خلال عامٍ تقريباً (حكم محمد مرسي)، حاول الإخوان خلال تلك التجربة بكل الوسائل أن يقدّموا أنفسهم للشعب المصري بصورةٍ مغايرةٍ عن أنفسهم: لقد كانوا حزباً دينياً سرياً/داخلياً، ولكنهم أصروا على أن يجعلوا من أنفسهم شعبيين، عفويين، وفوق كل هذا "قريبين إلى القلب". لا تحتاج الأحزاب أن تكون قريبة إلى القلب بقدر حاجتها أن تكون قريبةً من تحقيق المطالب وتحققها. لم يفشل الإخوان فحسب في تحقيق مطالب الناس، بل إنّهم فشلوا حتى في تحقيق مطالبهم، إلى هذا الحد كان فشلهم مدقعاً. الأمر الأكثر حزناً في تلك التجربة، هذا إذا ما قرأناها بشكلٍ حيادي، سنجد أنَّ بعضاً من قادتهم كانوا متأكدين أن هذه الخطوات –لأنها كانت شديدة الوضوح- ستستجلب عليهم عداءاً وكراهيةً عظيمة، ومع هذا فإن إصرارهم على اللعب بنظام الجماعة السرية والمحظورة حتى إبان "حكمهم" وعظمة قوتهم جر عليهم النتائج المعروفة. حاول النظام آنذاك (نظام الإخوان) احتواء كل شيء: الشعب، الجيش، الاقتصاد، والعلاقات مع الدول الخارجية. لم تفشل التجربة فحسب بل إنّها سرعت في تقويض النظام بأكمله حد النهاية. لكن أبرز ما يمكن تذكره من تلك التجربة حتماً هو اصرارهم وبشكل "متوحش" على الكذب، وعدم الوفاء بالوعود، وهي الصفة التي سنظل نتحدث عنها مع أي نظامٍ سيحكم مصر (أو غيرها من الدول العربية). يعتقد كثيرون –خصوصاً من هم في السلطة- أن الجمهور/الناس/الشعب ينسى ولايتذكر إلا يومه فحسب. أثبتت هذه النظرية فشلها خلال ثورة 25 يناير، وتأكد أن الشعب المصري حيٌ بجميع أطيافه (أفقياً وعامودياً) وليس ضعيفاً أو غير قادرٍ البتة، لكنه بنفس الوقت ليس "نظاماً". ينتج بعض الشعب (أو أكثره) "نظاماً"، لذلك فإن النظام لا يكون لكل الشعب، ومهما حاول أن يكون قريباً من الجميع فإنه سيكون قريباً من فئةٍ أكثر من غيرها. يفهم الشعب العربي عموماً والمصري خصوصاً في السياسة ويعرفها، ويدرك مآخذها وما إذا كان "فلانٌ" يكذب عليه أو يدبّر له شيئاً، وهو ما حدث مع الإخوان في المثال السابق. عرف الشعب بصورةٍ "بديهية" أن هؤلاء يكذبون، وبأنّهم يبقون في أماكنهم تلك كي يمكنوا "أنفسهم" لا أي أحدٍ آخر من نيل شيء. اليوم نجد أن تلك الأسئلة التي حملها الشعب بأكمله ذات يومٍ في يناير تعود لتطرق الأبواب من جديد. ماذا عن أخطاء الشرطة؟ نحن نعلم بالتأكيد أن جهاز الشرطة في أي مكانٍ في العالم موجود لحماية الناس، وكما يعلم الجميع أخطأ الجهاز نفسه إبان حكم حسني مبارك (فيديوهات التعذيب الشهيرة لا تزال موجودة على مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب). هل تمت محاسبة أيٍ من المخطئين حتى اللحظة؟ ماذا عن مطلقي النار على المتظاهرين في كثيرٍ من الأحداث (محمد محمود مثالاً؟)؟ ماذا عن مطفئي العيون؟ هل حصلت تلك المحاكمات؟ ماذا عن شباب الثورة الذين تتم محاكمتهم بشكلٍ "غريب" في مقابل الإفراج عن "رموز" النظام السابقين (أحمد عز مثلاً)؟ ماذا عن الأوضاع الاقتصادية الداخلية؟ ماذا عن الاتفاقيات الاقتصادية الخارجية المجحفة؟ ماذا عن العلاقات مع الدول العربية؟ هل تنصف هذه العلاقات "مصر" بصفتها قلب الوطن العربي وواحدة من أهم القوى العسكرية والبشرية (لا في الوطن العربي بل في العالم بأسره؟). هي أسئلةٌ كثيرةٌ تطرح بقوة وبشكلٍ يومي، تحاول بعض أجهزة الإعلام الدوران حولها كما فعلت خلال سنين حكم مبارك ومرسي، لكنها تفشل كما فعلت سابقاً في إخفاء الحقائق، ما ينساه النظام –أي نظام- أنه علمياً أثبت أنه حتى ذاكرة السمكة ليست بالقصر الذي يعتقدونه، فماذا عن ذاكرة شعب؟؟