عدسة: رامي أبو مراحيل – البديل في ميناء مدينة غزة البحري، بادر متطوعون من مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي بطلاء أحجار الميناء بمجموعة من الألوان التي تعبر في مضمونها عن الحياة، وكانت هذه المبادرة قد جاءت ضمن مجموعة مبادرات تقوم عليها مؤسسة تامر في قطاع غزة تحت عنوان (100 همَّة ولمَّة) في إشارة إلى استعادة الفلسطينيين إلى هممهم من جديد والبدء في العودة إلى الحياة رغم كافة الظروف التي تمر بها المدينة. يذكر أنَّ مؤسسة تامر قامت بتنفيذ 100 مبادرة في مختلف محافظات الوطن، وقد تنوعت المبادرات التي نفذتها مجموعات شبابية مختلفة، لتجد المبادرات المعنية بالفنون الشعبية الفلسطينية حيث خاض المبادرون تجربة تعلم هذه الفنون وسبر أغوارها وتنفيذها أمام الجمهور الذي تفاعل بشكل كبير معها، بالإضافة إلى مبادرات رياضية نفذت في المدارس والمؤسسات المختلفة، ومبادرات تعنى بالفنون التشكيلية تنوعت ما بين معارض تحتوي لوحاتٍ وقطعاً فنية، وتجاوزت ذلك حتى وصلت إلى من تهدمت بيوتهم خلال العدوان الإسرائيلي الأخير؛ لترسم معهم وبمشاركتهم قوس قزح جميل يعطيهم ولو فسحة واحدةً للتنفس والابتسام. حتى وصلت إلى الميناء الذي يرمز إلى "غزة" المدينة التي تواجه تحديات يومية؛ ليفتح الناس نوافذهم على الألوان التي قد تخطف أنفاسهم للحظة وتذكرهم بألوان قلوبهم التي لربما نسوها في خضم الحروب والدمار. وهناك مبادرات شجعت الصناعات اليدوية كفنٍّ أصيلٍ وكمهنةٍ يفخر أصحابها بها لتفرّدها وحرفية صنعها. كما كانت هناك مبادرات لإصدار كتب ورقية أو إلكترونية تحتوي قصصاً عن العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة حيث تنوعت القصص والتجارب التي حاول المبادرون من خلالها فهم وتوثيق هذه الأحداث التي غيرت من شوارعهم, بيوتهم وحتى قلوبهم. بالإضافة إلى مبادرات صناعة الأفلام التي ظهرت بقوة وحاول الشباب من خلالها التعبير عن واقعهم وطرح تساؤلاتهم. مبادرة طلاء أحجار الميناء جاءت ضمن مجموعة كبيرة من المبادرات التي تقوم عليها المؤسسة حالياً في جميع محافظات القطاع، وفي مقابلة أجراها البديل مع الفنانة التشكيلة ومنسقة المبادرات الفنية في مؤسسة تامر داليا عبد الرحمن، تحدثت عبد الرحمن عن هذه المبادرة قائلة: "مبادرة تلوين صخور الميناء كانت من المبادرات التي قامت بتغيير نوعي في ميناء غزة، كانت في البداية مجرد فكرة وسرعان ما تحولت إلى واقع ملموس بالألوان التي تم نشرها على كل صخرة من صخور ميناء غزة، كانت تراودني الفكرة من سنتين تقريباً عندما بدأت بزيارة الميناء للتنزه وكنت لا أجد فيها شيء جميل سوى البحر، كان يطغى عليها اللون الرمادي وهو لون الصخور والركام والذي يوحي بالحزن ويذكرنا بالحرب، شردت بالتفكير قليلاً، وفكرت فيما لو غمرت تلك الصخور بالألوان الزاهية التي تعبر عن الفرح، لا بد أنه سيحدث تغيير جذري بالمكان ويصبح له رونق وسوف تنعكس ألوان الصخور الزاهية على المياه ويصبح المكان أكثر جمالا. وفعلاً قمت بتقديم الفكرة كمبادرة لمؤسسة تامر لتصبح إحدى مبادرات 100 همة ولمة ومن ثم قمنا بتنفيذها بمساعدة 25 فنان وفنانة خلال 5 أيام ليصبح الحلم حقيقة، وتلونت الميناء وتلون الركام وقمنا بنشر السعادة والفرح بين الناس". محمد أبو سليمان منسق مشاريع في مؤسسة تامر، تحدث عن هذه المبادرات مفيداً للبديل: " تهدف مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي من خلال مشروع مبادرات (100 همة ولمة) إلى خلق مساحات للشباب للتحرك والتفاعل مع قضايا مجتمعهم، واستثمار طاقاتهم وقدراتهم ومواهبهم في عملية النهوض والبناء والتحرر، تمثل المبادرات بالنسبة لهؤلاء الشباب فرصة حقيقية لاستكشاف الذات والمجتمع، والتعرف على ثقافات المجتمع المختلفة، كما وتعطيهم فرص ومساحات للتغير والتأثير في سير حياة المجتمع الفلسطيني، وخصوصًا في مدينة غزة التي لا تحتاج سوى هذه المبادرات التي تبث الأمل في المستقبل والنظرة الإيجابية للحياة والتي تمثلها روح الشباب في كل مكان". مبادرة أخرى قام بها فريق المؤسسة في مختلف مناطق القطاع كانت تحمل اسم (لكل شهيد شجرة) وكانت هذه المبادرة عبارة عن زرع 570 شجرة زيتون في كافة أنحاء القطاع، وكان هذا الرقم يحكي قصص 570 طفلاً قضوا في العدوان الاسرائيلي الأخير على القطاع، فزرع المواطنون أشتال الزيتون والدادونيا والزينة في الشوارع والأزقة وأمام البيوت، تخليداً لأرواح أطفالهم الذين قتلتهم آلة الحرب دون أيِّ ذنب قد يقترفه طفلٌ لم يحلم سوى بمدرسته أو بلعبته الصغيرة. رسالة كانت المؤسسة تسعى لتوصيلها، وحول مبادرة (لكل شهيد شجرة) تابع أبو سليمان: "فكَّر الشباب من خلال هذه المبادرة في أطفالنا الذي خطفتهم الحرب، وتخليد ذكراهم، فكانت هذه المبادرة التي حملت لكل شهيد شجرة باسمه ومكان سكنه لتؤكد لأهالي الشهداء وللمجتمع بأن شهداءنا ليسوا أرقامًا، وكذلك كانت هذه المبادرة فرصة للأطفال لتخليد ذكرى أصدقائهم من خلال زراعة أشجار الزيتون التي تعكس روح السلام التي لا تتوقف الحرب عن خطفها". لم يقتصر التلوين على أحجار الميناء فقط، فقد قام المتطوعون بتلوين كرفانات اللجوء في منطقة خزاعة جنوب القطاع والتي يقطن فيها المئات من النازحين الذين تضرروا إبان الحرب الأخيرة على قطاع غزة. وعن الهدف من هذه المبادرة، أتبع أبو سليمان: "هذه الصورة القاتمة لحجارة الميناء، والحياة البائسة في كرفانات خزاعة، كانت عبارة عن تذكير يومي للمجتمع الفلسطيني بمشاهد الحرب والموت والدمار، ومن هنا بدأت فكرة تلوين كرفانات خزاعة ومن ثم حجارة ميناء غزة، وبالتأكيد في ظل تزايد احتياجات المجتمع من كل النواحي، واجهت هذه المبادرات الكثير من التساؤلات المرتبطة بالأولويات، وكانت إجابة الألوان الزاهية وأثرها في النفس هي الإجابة الكافية والوافية لكل هذه التساؤلات، حيث تأثيرها في أنفسهم ومعنوياتهم جعل كل من صادف المبادرات في الأرض يشارك في تلوين كرفانه هو وأطفاله، وكانت المشاركة الواسعة للناس في الميناء خير دليل على مدى تقبل وتفاعل المجتمع مع هذه المبادرة التي أضفت الجمال على نفس كل من يزور ميناء غزة ومن شارك في تلوين حجارتهم". هؤلاء الشبان، برفقة مؤسسة تامر وبعض المؤسسات التي تسعى إلى تغيير الصورة النمطية للحياة في غزة، يحاولون إخبار العالم بأنَّ هناك وجوه أخرى لهذه المدينة، وجوهٌ جميلةٌ ومليئةٌ بكلِّ أشكال الحياة التي حاول العالم ربما طمسها وتغيير هويتها، إلا أنها ما زالت تقول للعالم أنَّ لديها (100 همة ولمة). صور: