تعتبر عملية استئصال الرحم للفتيات المعاقات ذهنيًا إحدى المسائل التى غفلها القانون فى مصر، حتى أصبحت المعاقة، جسدًا مباحا ليست له حُرمة، فتجرى لها تلك العملية دون الرجوع إلى أحد، باعتبارها فاقدة الأهلية. ورغم أن استئصال رحم المعاقة، يعد انتهاكًا صارخًا لحقوقها الإنسانية والصحية، إلا أن الأهالى، فى أحيان كثيرة، هم من يطلبون إجراء العمليات لفتياتهن، تخوفًا من حدوث اعتداء جنسى عليهن، مما يؤدى إلى حمل. كما تعد ظاهرة استئصال أرحام المعاقات ذهنيا ذات طابع إنسانى، ترتبط بمدى الالتزام الأخلاقى والإنسانى بالمفاهيم الحقوقية ذات النزعة العالمية والتي ترفض وتدين ارتكاب مثل هذه الجرائم المشينه. وتم التعبير عن هذه المفاهيم في نطاق الأممالمتحدة، وإصدار الاتفاقيات الدولية لحماية حقوق الإنسان على جميع الأصعدة، ومن بينها حقوق الأشخاص المعاقين للحد من هذه الظاهرة. ومع ذلك تستمر مصر في تلك الممارسات بعد زيادة معدل حالات الاغتصاب للفتيات والسيدات، فضلا عن اعتبار الأهل أن هذا هو الحل الأسهل، بدلا من اللجوء إلى أي وسائل أخرى تمنع الحمل. حقوق منتهكة لفتيات معاقات ذهنيًا التقت «البديل» بوالدة إحدي المعاقات ذهنيًا وتم استئصال رحمها، تقول والدة "مريم كريم عبد الله" إن نجلتها منذ أن تمت سن البلوغ، قام والدها باستئصال رحمها؛ تخوفًا من أى حوادث اغتصاب ومن ثم حمل، مشيرة إلى أن ضرورة استئصال رحم الفتاة المعاقة ذهنيًا؛ لأنه لا يصح أن تنجب إذا تزوجت؛ لأنها ستجنب معاقا ذهنيًا مثلها. وأضافت والدة مريم أن زوجها "والد البنت" حين أراد أن يفعل ذلك ذهب إلى مشيخة الأزهر، وأحلوا له أن يفعل ذلك، موضحة أن عددا من الأطباء رفضوا إجراءها لكنهم توجهوا إلى مستشفى خاصة، وتحملوا كتابة كل الأضرار المترتبة على ذلك. «القومي للإعاقة»: طالبنا «الإفتاء» بإصدار فتوى لتحريم استئصال رحم المعاقات من جانبها، قالت داليا عاطف مصطفى، مدير إدارة الطفل والمرأة بالمجلس القومي لشئون الإعاقة، إن العائلة تلجأ لاستئصال رحم بناتهن ليس حماية لهن من الاعتداء الجنسى، لكن لمنع نتائج الاعتداء الجنسى، حيث إن حماية الفتاة من الاعتداء عليها يكون بالمراقبة وتوفير الرعاية لها، مضيفة: «للأسف الأسرة ترتكب هذا النوع من العنف دون حماية الفتاة من الاعتداء الجنسى، بل ما يعنيهم، ألا يكتشف وقوع الاعتداء». وتابعت: «نحن كمؤسسة قانونية ومعنية بالحماية من العنف لا يحق لنا رفع دعوى قضائية؛ لأن مثل هذه الدعاوى خاصة وليست عامة، ولا يمكن لأى شخص أن يقدمها بالنيابة عن الضحية، خاصة أن الجرائم العائلية أحيانا يراعى فيها صلة القرابة، فتخفف العقوبة، ومن المفترض أن يتم تعديل القانون لمحاسبة ومعاقبة الأب والأم أو أى فرد من العائلة على هذه الجريمة، ومعاقبة من أجرى العملية دون سند من القانون أو مبرر طبى». وأكدت "مصطفى" أن المجلس أرسل خطابا إلى مفتى الجمهورية، يطالبه بإصدار فتوى لتحريم استئصال رحم المرأة المعاقة ذهنيا، بوصف هذا الإجراء انتهاكا لحقوق الإنسان. الأزهر: يجوز تعقيم المعاقة ذهنيًا وفق ضوابط وشروط ومن الناحية الدينية، يرى الدكتور أحمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر وعضو هيئة كبار العلماء، أنه يجوز تعقيم الأنثى المعاقة، إذا أثبتت الأبحاث أو الاختبارات الوراثية أن الأولاد سيكونون معاقين بطريقة يقينية؛ لأن الموازنة تكون بين أمرين «إنجاب أطفال معاقين، أو عدم إنجاب أطفال من الأساس»، ولكل منهما ضرره، والقاعدة الشرعية تقول إنه إذا تعرض الإنسان لأمرين فى كليهما ضرر، يتم الأخذ بأخفهما ضررا، لدفع الضرر الأعظم منه، معتبرًا أن الضرر الأعظم فى تلك الحالة، إنجاب أطفال معاقين. وأوصح: «يجوز إجهاض الجنين قبل مرور 120 يوما من بدء الحمل، إذا اكتشف الأطباء أنه سيكون مشوها، ولذلك يجب متابعة الحمل فى الفترة الأولى حتى لا يصل إلى ال120 يوما، وهى فترة دبيب الروح، ويتصرف الطبيب بما تقتضيه المصلحة، إما الإجهاض أو علاج الجنين، إذا كانت الحالة قابلة للعلاج، وهكذا نأمن زيادة أعداد ذوى الاحتياجات الخاصة فى المجتمع، أما عن الإعاقة الذهنية فهى ليست من الأمراض الوراثية، وليس هناك مانع شرعى فى تزويج البنت المعاقة عقليا، بشرط أن يكون المتقدم عالما بمستواها العقلى، فيكون الدخول على العقد غير مجهول من أحد العاقدين، وعلى هذا فالكلمة الأولى والأخيرة للخاطب الذى يرغب فى الزواج منها». ومن الناحية الطبية، حاولت «البديل» التواصل مع الجهة المنوطة بالمعاقين فى وزارة الصحة، فرفض الأطباء الإدلاء بأي تصريحات من جانب الوزارة، معتبرين أن الأمر يتعلق بالمجلس القومي لشئون الإعاقة. وفى نفس السياق، قال الدكتور كريمة عاطف، استشاري تخاطب معاقين ذهنيًا، إن قدرة المعاق ذهنيا تعتمد على درجة إعاقته ومقدرته على أداء واجباته الزوجية بغض النظر عن إمكان الإنجاب؛ لأن هناك حالات كثيرة من أصحاب التأخر العقلى لا يمكنهم الإنجاب طبيًا مثل الأشخاص حاملى جين "منغوليان" أو "التوحد". وأشارت "عاطف" إلى أن وزارة الصحة لم تجرم ذلك؛ لأن هناك العديد من الحالات التى تستوجب بالفعل استئصال أرحامهن، مؤكدة أن الحل يكمن في أن تتعاون أجهزة الدولة كافة لوقف الانتهاكات التى تحدث لعدد كبير من المعاقات اللاتي لا يكن في حاجة إلى استئصال، مطالبة برصد عدد المعاقات ذهنيًا في مصر، ووضع معايير محددة لاسئتصال الأرحام لهن.