أربعة أشهر من القتال المرير الذي ذاقته مدينة عين العرب "كوباني" السورية، تداخلت فيها أصوات الرصاص والمدافع مع أصوات صراخ الأطفال واستنجاد النساء، تصاعدت فيها وتيرة الاشتباكات في الأجزاء الشرقية من البلدة، ارُتكبت فيها العديد من المجازر ضد الرجال والنساء من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي، تم تهجير الكثير من العائلات من بيوتها، لكن المقاتلون الأكراد تمكنوا أخيرًا من إيقاف كل ذلك ورفع علم النصر على بلدتهم. المنازل المهدمة والطرقات المدمرة والشوارع الخالية هو المشهد القائم منذ عدة أشهر، لم يتغير المشهد كثيرًا الآن لكن زاد عليه فرحة الأكراد بطرد تنظيم "داعش" من "كوباني"، ورفع المقاتلين علم النصر على أحد أبراج الكهرباء فوق تلة في "كوباني". أعلنت القوات الكردية أنها أصبحت تسيطر على كامل مدينة "كوباني" بعد انسحاب تنظيم "داعش"، وذلك على إثر معارك ضارية استمرت أكثر من أربعة أشهر، وخسر فيها تنظيم "داعش" المئات من مقاتليه، وعددا من أهم قياداته الميدانية، وتكبد خسائر كبيرة، كما أعلنت مواقع إعلامية كردية، ومئات النشطاء الكرد على شبكات التواصل الاجتماعي تحرير المدينة بالكامل من سيطرت التنظيم المتشدد، ونشر النشطاء صورًا تظهر مقاتلين أكراد في أحياء المدينة لاسيما الأحياء الشرقية منها، وكذلك صورا تظهر مقاتلين أكراد على طريق كوباني حلب. من جانبها أكدت صحيفة "الديلي ميل" البريطانية، أن المقاتلين الأكراد رفعوا علم النصر على أحد أبراج الكهرباء فوق تلة في كوباني، وقالت الصحيفة إن "العلم الذي رفعه مقاتلو الوحدات الكردية والبالغ طوله 75مترا وبارتفاع يبلغ 200 مترا يمثل نقطة تأثير قوية وإستراتيجية ضد داعش"، وأشارت مصادر من "داعش" نفسه إلى أن التنظيم خسر ما لا يقل عن 800 مقاتل وعددًا كبيرًا من قياديه، واعتبر بعض نشطاء التنظيم أن "كوباني" كانت "فخاً" نصب ل"داعش" ومعركة استنزف فيها التنظيم. اعتاد تنظيم داعش على الاحتماء في النساء والأطفال عند كل خسارة يتكبدها، فقد أبلغت مصادر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن تنظيم "داعش" أرسل كتيبة مؤلفة من نحو 140 عنصراً غالبيتهم الساحقة دون سن ال18، ومن المنضمين حديثاً إلى معسكرات التدريب التابعة للتنظيم، أرسلهم إلى جبهات القتال في مدينة عين العرب "كوباني" مؤخرًا، وتمكن المرصد من توثيق مصرع 6 عناصر منهم دون سن الثامنة عشر. صمود وحدات حماية الشعب الكردي أمام زحف "داعش" وجرائمه جعل الأخير ينحصر ولا يجد له منفذ سوى الخروج من المدينة، فقد تمكنت وحدات حماية الشعب الكردي، مدعمة بكتائب مقاتلة، من السيطرة على قرية "ماميد" جنوب غربي كوباني، فيما سيطرت على قرية "ترمك" الواقعة بين هضبة مشتة نور وطريق حلب-كوباني، كما تمكنت الوحدات الكردية من التقدم داخل المدينة والسيطرة على مدرسة الشريعة ومسجد سيدان. كانت القوات الكردية قد سيطرت قبل 3 أيام على سوق الهال، وشوارع في شمال غرب حي الصناعة بالمدينة، فيما سيطرت الوحدات الكردية أيضا قبل 5 أيام على المستشفى الوطني جنوب غربي المدينة، وصولاً إلى المدخل الجنوبي الغربي لمدينة كوباني على طريق حلب-كوباني، نتيجة هجوم نفذه مقاتلو وحدات الحماية. على الرغم من تكبد تنظيم "داعش" الكثير من الخسائر في مواجهة المقاتلين الأكراد، إلا أن إصرار التنظيم على استكمال القتال في المنطقة جعل الحديث يزداد عن أهمية المدينة بالنسبة للتنظيم، فهدف التنظيم الاستيلاء على المدينة ليكون له حدود مباشرة مع تركيا الداعم الأكبر للتنظيم، وهو ما يعني السيطرة على منطقة تمتد من ريف حلب حتى مشارف بغداد وإفشال المشروع القومي الكردي، كما أن سيطرة التنظيم على المدينة سوف تؤدي إلى عزله لمحافظة "الحسكة" ذات الأغلبية الكردية، ومن هنا فتكون هذه المحافظة هي الهدف القادم لتنظيم "داعش" خصوصًا وأن بها ما يبحث عنه "داعش" وداعميه من آبار نفطٍ وغاز. "عين العرب" أو "كوباني" كما يطلق عليها الأكراد، هي مدينة سورية تابعة لمحافظة حلب، تقع في أقصى الشمال السوريّ قرب الحدود مع تركيا، تبعد المدينة مسافة 30 كيلو مترًا فقط عن نهر الفرات، وحوالي 150 كيلو مترًا عن مدينة حلب، يتجاوز عدد سكان المدينة 460 ألف نسمة يسكنون 384 قريةً صغيرة وأغلب سكانها من الأكراد.