غيب الموت فجر اليوم سادس ملك في تاريخ السعودية، تاركاً خلفه إرثاً ثقيلا من الملفات المعقدة والمتراكمة داخل المملكة وعند حدودها، فتزدحم الملفات الشائكة إقيميًا ودوليًا على كاهل الملك السعودي الجديد "سلمان بن عبدالعزيز". توفي العاهل السعودي الملك "عبد الله بن عبد العزيز" فجر اليوم الجمعة، وعلى الفور تمت مبايعة ولي عهده الأمير "سلمان بن عبد العزيز" ملكًا، هذه السرعة في الإجراءات تأتي ربما لتظهر تماسك الأسرة الحاكمة وتضحد كل الشائعات عن صراع داخل أجنحة الحكم. أورد بيان الديوان الملكي السعودي أن الأمير "مقرن بن عبدالعزيز" وهو الأخ غير الشقيق للملك الراحل بات وليًا للعهد، وذكر البيان الرسمي أن الملك عبدالله وافته المنية في تمام الساعة الواحدة من صباح هذا اليوم الجمعة، وقد تقرر الصلاة عليه بعد صلاة عصر هذا اليوم في جامع الأمام تركي بن عبد الله في مدينة الرياض، وأضاف البيان أن ولي العهد الأمير "سلمان بن عبد العزيز" تلقى البيعة ملكًا على البلاد وفق النظام الأساسي للحكم، وبعد اتمام البيعة دعا الملك "سلمان" لمبايعة الأمير "مقرن بن عبد العزيز" وليًا للعهد، وستبدأ البيعة من المواطنين بقصر الحكم في الرياض بعد صلاة عشاء هذا اليوم". تسارعت ردود الفعل بعد إعلان الوفاة، فأشاد الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بالراحل ووصفه بالقائد "الصادق" و"الشجاع"، في حين نعت الرئاسة المصرية الملك وقطع الرئيس "عبد الفتاح السيسي" زيارته في سويسرا ليتوجه إلى المملكة للمشاركة في الجنازة، ونعى الديوان الملكي الأردني العاهل السعودي، معلناً عن توجه الملك "عبد الله الثاني" إلى الرياض بعد قطع زيارته إلى دافوس، للمشاركة في الجنازة، كما نعي كل من العاهل البحريني ورئيس الإمارات العاهل السعودي، وأعلنت الأولى الحداد لمدة 40 يوما فيما أعلنت الأخيرة الحداد لمدة 3 أيام. بوصول الأمير "سلمان بن عبد العزيز" إلى سدة الحكم في السعودية، وأخيه الأمير "مقرن" إلى ولاية العهد يكون الملك "عبد الله" حقق تمامًا ما خطط له عندما عين في مارس 2014 وليًا لولي العهد للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وكان الملك الراحل وضع في 2006 آلية لضمان انتقال سلس للحكم في المملكة عبر تأسيس هيئة البيعة الموكلة باختيار ولي العهد، حيث صادقت بأغلبية أعضائها على تعيين الأمير "مقرن" وليًا لولي العهد بينما كان الملك "عبد الله" على قيد الحياة. الأمير "سلمان بن عبد العزيز آل سعود" ولد في مدينة الرياض 31 ديسمبر عام 1935، وهو الأبن الخامس والعشرون من الأبناء الذكور للملك المؤسس "عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود" من زوجته الأميرة "حصة بنت أحمد السديري"، يبلغ من العمر 80 عامًا، تلقى تعليمه في مدرسة الأمراء بالرياض حيث درس العلوم الدينية والعلوم الحديثة وختم القرآن الكريم كاملًا في المدرسة التي كان يديرها خطيب وإمام المسجد الحرام. بدأت حياته السياسية قبل أن يتم العشرين من عمره، حيث تم تعينه نائبًا لأمير منطقة الرياض عام 1954، وبعدها صدر الأمر الملكي بتعيينه أميرًا لمنطقة الرياض بمرتبة وزير عام 1955، واستقال من منصبه عام 1960، ليعاد تعيينه في نفس المنصب مرة أخرى بعد ثلاث سنوات بمرسوم من الملك "سعود بن عبد العزيز". خضع الأمير "سلمان" في أغسطس 2010 لجراحة في العمود الفقري بالولايات المتحدة غاب في الخارج فترة، وهبط مجدداً على أرض المملكة، وبعد عودته توفي الأمير "سلطان بن عبد العزيز" ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع فأصدر الملك السعودي أمرًا ملكيًا بتعيين الأمير "سلمان" وزيرا للدفاع عام 2011. وضع الأمير يده على واحدة من ثلاث مراكز قوة في المملكة وهي إضافة للدفاع وزارة الداخلية وزارة الحرس الوطني، وبعد مضي عام على استلامه وزارة الدفاع ودّعت السعودية الأمير "نايف بن عبد العزيز" ولي العهد، وأصبح الأمير "سلمان" وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء في يونيو 2012، دون أن يتخلى أيضا عن وزارة الدفاع. يعرف عن الأمير "سلمان" اتساع دائرة علاقاته واتصالاته الداخلية والخارجية التي أسست لجلوسه في كرسي الملك، وقيل عنه إنه يتبنى نهجًا حذراً في الإصلاح الاجتماعي والثقافي، ويرى أن الديمقراطية لا تتناسب مع نظام الحكم في المملكة، وذلك بحسب برقية دبلوماسية أمريكية في عام 2007 نشرها موقع "ويكيليكس". ينتظر الملك السعودي الجديد العديد من الملفات الدولية والإقليمية الشائكة، أقربها الأزمة اليمنية التي تعصف بالبلاد في ظل استقالة الرئيس اليمني "منصور هادي" وتنامي نفوذ جماعة "أنصار الله" هناك، كما تشكل الحدود السعودية العراقية وخطر تسلل الإرهابيين وتحديداً تنظيم داعش إلى داخلها مشكلة معقدة ينشغل بها الملك الحاكم الجديد. تراقب المملكة بحذر تطور الأوضاع في البحرين، وتحاول بحرص لم شمل البيت الخليجي بعدما كاد الخلاف القطري السعودي ينسف أركانه، كما ينتظر الملك الجديد ملف حرب النفط التي تتشارك فيها الرياض مع واشنطن للضغط على طهران وموسكو في ملفات كثيرة أبرزها المفاوضات النووية الإيرانية والأزمة السورية، يضاف إلى كل هذه الملفات الدور السعودي في المنطقة ولاسيما في سوريا والعراق وليبيا ولبنان ومصر، فهل تنقلب السياسية الخارجية السعودية ويشكل الملك "سلمان" خريطة جديدة يسير عليها، أم تظل السياسة الخارجية للسعودية تسير على نفس نهج الملك الراحل "عبد الله بن عبد العزيز".