على مرأى ومسمع من الجميع أصبحت تجارة أجهزة الكشف والتنقيب عن الذهب والمعادن والكنوز تهدد آثار مصر، حيث لا يوجد رقيب لمتابعة هذه الأجهزة التي أصبحت يتم تجارتها وعرضها وبيعها على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، كما أن هناك من يقومون بتأجيرها بمبالغ كبيرة. دخلت التكنولوجيا والأجهزة العلمية كوسائل للكشف عن المناطق الأثرية مثل أجهزة الليزر الكاشفة عن المعادن لأعماق تصل إلى 30 مترًا تحت سطح الأرض، وهى تحدد نوعية المعادن التي تحويها المقبرة، وأجهزة حديثة باهظة الثمن تعتمد على أشعة الليزر وتقوم بتصوير المبنى أسفل الأرض مفرغًا من التربة عن طريق "المونيتور" الملحق به، ويجلبه أصحاب النفوذ في أوساط مافيا تجارة الآثار التي تمثل شبكة مترابطة. البداية إعلان على فيس بوك لأكاونت وهمي "للبيع جهاز كشف الدفائن – يصور الدفائن حتى عمق 20 مترًا – كشف استشعارى حتى مساحة 2000 متر – الوحدة الأساسية صناعة ألمانية – أحد الأماكن التى سبق تصويرها به – ما بالصورة تابوت فرعونى على عمق 7 أمتار – من يريد أى استعلام ومستعد للشراء، يتواصل معى عالخاص – للقادرين فقط". بهذا البوست على أحد جروبات الآثار بموقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" نقاش عامل بالآثار مع الأكاونت على صفحته: دار بين هذا الأكاونت الوهمي وأحد العاملين بوزارة الآثار حديث حول الجهاز. كان رد العامل بالآثار: والتابوت الفرعونى دا مش موجود فى مقبرة ولا طالع برة المقبرة يتمشى. الأكاونت الوهمي: أكيد فى مقبرة أخى؛ لذلك هو أمامك الآن. عامل الآثار: طيب تمام، وما دام فى مقبرة ليه طلع التابوت وما طلعتش القطع اللى جنبه، ولا الجهاز بيشتغل بمزاجه القطعة اللى تعجبه يطلعها واللى ما تعجبوش ينفض لها؟. الأكاونت الوهمي: هو كل حاجة هتطلع فى لقطة واحدة؟! واضح إن سيادتك خبرة كبيرة فى الأجهزة. عامل الآثار: الجهاز بيشتغل بإيه ؟ سورس التشغيل إيه؟ الأكونت الوهمي: أرجو التواصل على الخاص لتفاصيل الشراء. عامل الآثار: أنا ما باشتريش، أنا باستفسر، يمكن نشترى واحد للوزارة بدل ما يطلع عينَّا فى الحفائر ومصاريف مواسم، وممكن ما نلاقيش حاجة نشترى واحد، واهو لما نطلع حفاير هيبقى فيه خيرات. الأكاونت الوهمي: أولاً الجهاز له نظام استخدام، الأول: استشعارى، وهو يحدد مواقع الفراغات تحت الأرض حتى مسافة 2000 متر من موقع الجهاز، الثانى: تصويرى، وهذا يقوم بتصوير كل شيء فى باطن الأرض حتى عمق 20 مترًا. ثانيًا لا أظن أن الجهاز يناسب الوزارة؛ نظرًا لارتفاع قيمته. عامل الآثار: مواقع الفراغات تحت الأرض حتى 2000 متر؟ دا 2000 متر فى باطن الأرض، تخيل يكون إيه؟ الأكاونت الوهمي: قلت مسافة وليس عمق 2000 متر على سطح الأرض من نقطة وضع الجهاز. «البديل» يحاور الأكاونت على الخاص: كانت هذه المحادثة بين الاثنين مسار كثير من الاستفسارات لدينا، فكان لا بد من معرفة ما هذا الجهاز، وكيف يتم بيعه بهذه الطريقة، وما هو سعره، وهل يسمح ببيعه، وما هي العقوبة القانونية التي تقع على حامل هذا الجهاز. في البداية كان لنا حوار مع الأكاونت الوهمي الذي عرض جهاز كشف الدفائن للبيع على مرأى ومسمع من الجميع، وكانت المحادثة عبر الرسائل في صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، فطلب 30 ألف دولار ثمنًا للجهاز الذي عرضه، ورفض إعطاءنا موعدًا للقاء في الوقت الحالي، كما رفض أن يستلم النقود بالجنيه المصري، وأصر على أن تكون بالدولار قائلاً "للأسف الدفع بالدولار، لأن التغيير صعب عليا كتير، إنت عارف كويس إن سعر الدولار متغير جدًّا، بس هي دي شروطي، والفلوس هاستلمها من حضرتك في البنك إن شاء الله بعد ما أوضح لك فكرة تشغيل برامج الجهاز، تشوف هتقدر تتعامل عليها ولا لأ. والكارثة.. لا يوجد نص قانوني يجرم التجارة بأجهزة التنقيب ومن جانبه قال المحامي أحمد عبد اللطيف إن قانون حماية الآثار لا توجد به مادة تنص على معاقبة من يقوم ببيع الأجهزة، ولكن هناك مادة لتنظيم مسألة التنقيب، وهي أنه "لا يجوز للغير مباشرة أعمال البحث أو التنقيب عن الآثار إلا تحت الإشراف المباشر للهيئة عن طريق من تنتدبه لهذا الغرض من الخبراء والفنيين، وفقاً لشروط الترخيص الصادر منها، ويرخص لرئيس البعثة أو من يقوم مقامه بدراسة الآثار التى اكتشفتها البعثة ورسمها وتصويرها، ويحفظ حق البعثة فى النشر العلمي عن حفائرها لمدة أقصاها خمس سنوات من تاريخ أول كشف لها فى الموقع ، يسقط بعدها حقها فى الأسبقية فى النشر". من مائة إلى خمسمائة جنيه عقوبة العبث أو نقل أو التصرف في أثر!! وأضاف عبد اللطيف أن المادة 43 من القانون تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من: أ – نقل بغير إذن كتابى صادر من هيئة الآثار أثرًا مملوكا للدولة أو مسجلاً أو نزعه من مكانه. ب – حول المبانى الأثرية أو الأراضى الأثرية أو جزء منها إلى مسكن أو حظيرة أو مخزن أو مصنع أو زرعها، أو أعدها للزراعة، أو غرس فيها أشجارًا، أو اتخذها جرنًا، أو شق بها مصارف أو مساقى، أو أقام بها أية إشغالات أخرى، أو اعتدى عليها بأى صورة كانت. ج – استولى على أنقاض أو سماد أو أتربة أو رمال أو مواد أخرى من موقع أثرى أو أراضى أثرية بدون ترخيص من الهيئة، أو تجاوز شروط الترخيص الممنوحة له فى المحاجر، أو أضاف إلى الموقع أو المكان الأثرى أسمدة أو أتربة أو نفايات أو مواد أخرى. د – جاوز متعمدًا شروط الترخيص له بالحفر الأثرى. ه – اقتنى أثرًا وتصرف فيه على خلاف ما يقضى به القانون. و – زيف أثرًا من الآثار القديمة بقصد الاحتيال أو التدليس. الأجهزة منتشرة بالصعيد.. ويجب منعها وعلى الجانب الآخر قال عمر الحضري، الأمين العام للنقابة المستقلة للعاملين بالآثار، إن مثل هذه الأجهزة موجودة بكثرة في الصعيد، ويتم استخدمها للبحث عن الذهب في وادي العلاقي، مشيراً إلى أنها دخلت مهربة من السودان وليبيا. وأشار الحضري إلى أن وزارة الآثار غير مدركة لأبعاد خطورة مثل هذه الأجهزة، مؤكداً ضرورة أن تقوم الشرطة بدورها، وتتدخل، وتحرز مثل هذه الأجهزة من بائعيها؛ لخطورتها على الآثار. وأوضح أسامة كرار، منسق الجبهة الشعبية للدفاع عن الآثار، أن مثل هذا الجهاز يعتبر من أخطر أنواع التنقيب عن الآثار، ويجب القبض على صاحبه، مشيراً إلى تردد بعض الأخبار عن أنه يوجد دكتور جيولوجيا يقوم بتأجير هذا الجهاز لمن يريد التنقيب عن الآثار، ويجب تتبعه والقبض عليه، مؤكداً ضرورة تعاون الشرطة وتنسيقها مع وزارة الآثار لوقف هذه التجارة. شركة وهمية على الإنترنت بالبحث على موقع جوجل تم العثور على الشركة العالمية للأجهزة العلمية الدقيقة التي تقدم جهازًا بنظام الاستشعار المطور ومعدلاً طبقًا لمواصفات شرق أوسطية، متطورًا بآخر التقنيات والدراسات العلمية التي أجريت وصممت بعد الكثير من التجارب والأبحاث، وهو جهاز حائز على شهادة الجودة الإلكترونية من مؤسسة الأممالمتحدة لعلوم التنقيب والآثار ومعتمد من قبلها جهاز متخصص ومبرمج للكشف عن الذهب فقط لا غير، وتم تصميمه وبرمجته لكي لا يتأثر بحرارة التربة وصخورها وملوحتها ومعدنها، ويتعامل مع درجة حرارة التربة من 32 إلى 155 درجة. وبالاتصال بالرقم الخاص بالشركة، وجدناه غير موجود بالخدمة؛ مما يعني أن الشركة ليست موجودة. وزارة الآثار تكشف وهم هذه الأجهزة وأكد أمير جمال، منسق حركة "سرقات لا تنقطع"، أن الأجهزة غالبًا ما تكون وهمًا وعملية نصب؛ لأنه لم تتوصل التكنولوجيا بعد إلى أجهزة تستطيع أن تكشف بدقة الاستشعار عن بعد "NARSS"، مشيرًا إلى أنه تم عمل بروتوكول مع المجلس الأعلى للآثار، واختبار أجهزة قالوا عنها إنها متطورة في معبد الكرنك، وكانت المواقع المدفونة سابقة الاكتشاف من المعهد الفرنسي ووثائقها وموقعها موجودة، والأجهزة فشلت تمامًا. وأضاف جمال أن هناك فعلاً أجهزة تكشف المعادن، ولكن لها شروط، منها أن تكون الأرض ليست بها حجارة تعوق عامل الاستشعار، مشيراً إلى أن جميع الأراضى فى مصر توجد بها حجارة؛ مما يجعل الأجهزة تفشل، وأن تكون الآثار قريبة من السطح جدًّا، مطالباً الدولة بأن تصدر قرارًا بمنع تلك الأجهزة، وأن يكون هناك قانون واضح للحد من تجارتها.