فكرة سيطرة الفلول علي برلمان 2015 فكرة سطحية، مبنية علي تصور خيالي، ومؤسسة علي "زيطة" إعلامية فارغة من كل مضمون، فظننا أن الرئيس السيسي ليس على استعداد للمراهنة على شرعية نظامه، وقد جاء إلى الحكم بثورة لم تعترف للإخوان بشرعية الصندوق وحدها، ورسخت مفهوم الشرعية الشعبية الثورية التي انحاز لها الجيش مرتين في أقل من ثلاثة أعوام، وعلى حساب قائده الأعلى في المرة الأولي، وهو من هو، أحد القادة المنتصرين في حرب تاريخية على العدو التاريخي للوطن والأمة. وبالتالي فإن درس التاريخ من ثورة 30 يونيو أن "شرعية الصندوق وحدها لا تكفي"، وفي حالة انحياز نظام المشير لأي من النظامين السابقين علي الثورتين المصريتين في 25 يناير و 30 يونيو؛ فإن دولته مهددة، ونظامه يستنفذ رصيده لدي الجماهير قبل الأوان بأوان، وبلا داع أو ضرورة، إلا أننا لا زلنا نثق في ذكاء الرجل. ما يمتلك هؤلاء الفلول من قوة يحتاج إلى قراءة واعية وعميقة، من أجل الإمساك بتلابيب وجذور هذه القوة، والتمكن من ضربها في مقتل، والبداية الصحيحة في مواجهتها هي بكشف حقيقتها، مما يعني بالضرورة فضح تلك العلاقة المشبوهة بين أبواقهم الإعلامية وبقايا نظامهم -المخلوع- في جهاز الأمن الوطني، ويستدعي النظر بعين الريبة إلي تبعية هذه الأبواق لكل من رجال الأعمال من ناحية، وجهاز الأمن الوطني من ناحية أخري في نفس الوقت، ودون ثمة تعارض بين العلاقتين، مما يعني بالمنطق المجرد أن هناك تنسيقا تاما، بل يعني أن هذه أضلاع ثلاثة ضمن منظومة متكاملة للفساد وتضليل الرأي العام، تمثل خطرا على الثورة والأمن القومي معا. وهذه الخطورة تتمثل في أن هذا الجهاز -بتكوينه الحالي- لا يتبع وزارة الداخلية إلا شكلا، وأنه في حقيقة الواقع -وبدون مبالغة- مجرد ذراع لشبكة المصالح التي يديرها رجال الأعمال من فلول نظام مبارك، والمرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة بسرطان الفساد المتوغل في كافة أجهزة ومؤسسات الدولة. الأخطر من هذا أن هذا الجهاز -نفسه- يستخدم لحسابه أجهزة أخرى داخل وزارة الداخلية -بما له من كعب عال في الوزارة- مثلما يستخدم جهاز الأمن العام في تسخير المجرمين والخارجين علي القانون والهاربين من السجون لحساب رجال الأموال والأعمال، في مقابل حصول هؤلاء البلطجية علي الأمان من المطاردة البوليسية والملاحقة القانونية من جانب، والأموال من جانب آخر، واستخدام مثلث الرعب هذا في انتخابات مجلس النواب القادمة سيكون له بالغ الأثر علي النتائج. وتأتي خطورة استخدامهم للإعلام في مرتبة متأخرة برغم أنها تبدو ظاهريا هي الذراع الأخطر، ذلك أن العقل المصري أبلغ وعيا من ترهات أبواقهم الإعلامية، خاصة وأن من يتصدر الشاشات هم أجهل من فيهم، وأقلهم قبولا وحضورا شعبيا من أمثلة أحمد موسي وتوفيق عكاشة. وعلى عكس خطورة استخدام رجال المال والأعمال لبقايا نظامهم الفاسد في وزارة الداخلية لتسخير البلطجية، يأتي تأثير المال علي الناخبين المصرين في انتخابات مجلس النواب القادمة في آخر مراتب ودرجات الخطر، لأن هذا رهان على وعي الشعب، وكرامته، ونزاهته، سينتصر الشعب في نهايته بلا جدال، وبرغم فقره، وسيبهر العالم كعادته بتقديم نموذج يستدعي للذاكرة عبقريته وتقدميته وتحضره في ميادين الثورة. أخيرا -وبطبيعة الحال- لا نميل إلي التعميم في اتهام كامل ضباط الجهاز، وإنما نتمنى أن تبدأ به عملية تطهير شاملة، تخلع الفساد من جذوره في كل مؤسسات الدولة، وعلى رأسها الداخلية والقضاء والإعلام، بالترتيب أو بالتزامن، من رجال المخلوع ورجال المعزول علي حد سواء، وبالتالي كسر شوكة رجال كلا النظامين، وتكسير عظامهم، وإجبارهم علي الدخول في سيادة القانون والدولة خانعين خاضعين.. تائبين نائبين، بالقطع نائبين وليس نوابا، نائبين إلى الدولة لا نائبين عن الشعب.