تكدست غالبية المهرجانات الفنية خاصة السينمائية التي شهدتها القاهرة في الربع الأخير من العام، بسبب التأجيل والمشاكل الأمنية، فتزامنت المهرجانات مع بعضها وتتابعت دون فواصل زمنية، وكان الأجدي حتى تحقق إثارة حالة ثقافية، أن تكون موزعة طوال العام لتحقيق أهداف المهرجانات من التواصل والاطلاع على ثقافات أخرى، فضلًا عن إمكانية استغلالها لتنشيط السياحة، كما هو معمول به في غالبية دول العالم. في المقابل استطاعت المؤسسات المستقلة التي تنظم مهرجانات سينمائية دولية أن تفلت من هذا المأزق الذي لا تقع فيه مصر وحدها، بل عدة مهرجانات عربية أخرى تتكدس جميعًا في نهاية العام في الشهرين الآخيرين، وتقام بالتزامن خاصة في المغرب والإمارات، وتسبب مشكلة سنوية في توزيع النجوم والأفلام العربية على المهرجانات. بعد إلغاء فعاليات فنية ومهرجانات عدة العام الماضي، كانت الدولة حريصة على إقامة مهرجانات كثيرة هذا العام لتأكيد صورة البلد الآمن رغم الهجمات الإرهابية، أما الآثر الإيجابي الحقيقي لهذه المهرجانات فهو إقبال الجمهور على الاحتفاء بالإبداع، خاصة مهرجان سماع للإنشاد ومهرجان الطبول الذين يرأسهما المخرج انتصار عبد الفتاح، وتقام غالبية فعالياتهما في القلعة، شهدا جمهورًا رائعًا وصفه البعض ب"الألتراس" الذي يتابع هذا النوع المميز من المهرجانات ويحتشد لها فصارت القلعة أحد أهم مراكز الجذب للجمهور خلالهما، واكتسبت ألفة وحميمية مع جمهور ما كان ليفكر في الذهاب إليها دون هذين المهرجانين. الأوبرا كانت المكسب الهام الثاني، وذلك بكسر الحاجز النفسي بينها وبين تنويعات مختلفة من الجمهور من خلال الإقبال الجماهيري على المهرجانات التي أقيمت بها خاصة مهرجان الموسيقي العربية ومهرجان القاهرة السينمائي الدولي. تنشيط هذين الموقعين الثقافيين الهامين احد اهم مكاسب مهرجانات هذا العام ويؤكد ان الجمهور متعطش للفن والابداع الذي يحترمه. رغم ذلك لا يمكن تجاهل استمرار العقلية السائدة في الدولة التي تتعامل مع الإبداع والثقافة على أنها مهرجانات دعائية تقام في العاصمة دون المحافظات الأخرى، وتهدر الميزانيات في مراسم لا جدوي منها وبهرجة حفلي الافتتاح والختام ورغم هذا تخرج بصورة غير لائقة لنقص الاحترافية والتنظيم كما حدث في حفلي مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الأخير. "بلد مهرجانات"، كان تعبير كثيرين عن السياسة الثقافية لمصر في عهد فاروق حسني، حين اختزلت ميزانية وزارة الثقافة المنوط بها بناء وعي المواطن واتاحة خدمة ثقافة لائقة كأحد حقوق المواطنة، في إقامة مهرجانات تلتهم ميزانية الوزارة، وتهدر دورها، لتتحول إلى جهة تكدس للموظفين، فلماذا استمرت الوزارة بعد ثورتين شعبيتين بنفس الرؤي؟ هذا العام نظمت وزارة الثقافة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، ورغم تحقيق إدارته الجديدة برئاسة سمير فريد، دورة ناجحة باستثناء حفلي الافتتاح والختام شهدت عجائب من استقالة رئيسه إلى لجنة تحقيق وتقييم للمهرجان وصولًا لمهزلة عودة الحرس القديم في زيارة مديرته السابقة سهير عبد القادر لمقر المهرجان، وما أشيع عن إطلاعها على بعض أوراق دورته الأخيرة، في حالة من الفوضي الإدارية غير المقبولة في التعامل مع مهرجان مصر الدولي الرئيسي الذي يستحق استقرارًا أكثر في إدارته ورؤية واضحة ورشيدة لدوره. وبعيدًا عن فترة الازدحام في آخر العام، أقام مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية دورته ال17 في موعده في شهر يونيو ليواصل دوره في دعم السينما التسجيلية والقصيرة بشكل منضبط وينظمه المركز القومي للسينما، وبعيدًا عن المهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة، واصلت مهرجانات دولية أخري ترسيخ وجودها وجمهورها، فانطلق مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول حوض المتوسط، دورته الثلاثون في سبتمبر، ورغم تكرار مشاكل المهرجان الذي تنظمه الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، إلا أنه المهرجان المصري الوحيد الذي لم يتم إلغاء أي من دوراته منذ قيام ثورة يناير، حيث أقيم عامي 2011 و2012. وصارت بانوراما الفيلم الأوربي، التي تنظمها شركة أفلام مصر العالمية برئاسة المنتجة ماريان خوري، موعدًا للقاء بعض أفضل الأفلام الأوربية، روائية وتسجيلية وتحريك وبعدما كانت البانوراما تعرض أفلامًا عربية من إنتاج مشترك مع أوربا وأفلام مصرية، قررت إدارته الاقتصار بشكل صارم على الأفلام الأوربية بعد اطلاق سينما زاوية كنافذة لتقديم الافلام المختلفة عن السائد في السوق والتي صارت نافذة هامة للثقافة السينمائية في القاهرة واحد اهم احداث هذا العام سينمائيا حيث تعرض ما لم يكن متاحا سوي في المهرجانات من الأفلام العربية والتسجيلية والأوربية. وفيما استمرت وزارة الثقافة في تجاهل المحافظات، اختارت بعض المؤسسات الخاصة الخروج من الدائرة الضيقة للقاهرة بمشاكلها وازدحامها سينمائيا وصارت الأقصر في السنوات الماضية مركزًا مهمًا استقطب مهرجانين للسينما يقاما في الربع الأول من العام، بعيدًا عن زحام المهرجانات آخر العام، هما مهرجان السينما المصرية والأوربية الذي تنظمه مؤسسة نون، ومهرجان الأقصر للسينما الأفريقية الذي تنظمه "مؤسسة شباب الفنانين المستقلين"، والذي عانى عقبات تمويلية ضخمة أجلت تقديم جوائزه شهور بعد إنتهائه رغم الدور الكبير الذي صار يلعبه إفريقيًا كأحد نماذج التواصل الفني وتفعيل دور القوة الناعمة المصرية في إفريقية في مرحلة خطرة من تاريخ علاقتنا بها. ويواصل فريق المهرجان حاليًا دورًا ثقافيًا تنمويًا مهمًا، من خلال مشروع جديد أطلقه مؤخرًا بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة بعنوان "نوافذ" لإنشاء نوادي سينما في الأندية ومراكز الشباب بالمحافظات لعرض الأفلام وإقامة ورش تدريب سينمائية في مختلف المحافظات وستبدأ مرحلته الأولى بإنشاء نوادي في عشر محافظات. بخلاف مهرجانات الدولة تبدو المهرجانات الدولية التي تنظمها مؤسسات خاصة اكثر انضباطا وبعدا عن البهرجة لصالح الفن واتاحة فرص جيدة للمشاهدة والتفاعل لكنها ما تزال بعيدة عن اهل المدينة بسبب اخطاء تنظيم يمكن تداركها ببساطة منها عدم التواصل الكافي مع الناشطين الثقافيين في المدينة للترويج للمهرجان، وعرض افلام دون ترجمة. المهرجانات حققت رواجا محددوا في المدينة السياحية التي تعاني الركود منذ قيام الثورة، وكان يمكن استثمارهما أكثر بالتعاون مع الجهات السياحية لاحداث رواج حقيقي. *المستقلون يفوزن مسرحيًا مسرحيًا شهد هذا العام الاعلان عن عودة مهرجان المسرح التجريبي تحت مسمي مقترح جديدد ربما ذرا للرماد للتخلي عن المسمي الذي اختاره فاروق حسني ونال سيلا من الاتهامات بافساد المسرح المصري وامتداد اثره السلبي علي المسرح العربي بتقليد الصرعات المصرية. فيما عاني المهرجان القومي للمسرح انسحابات لنجوم من العرض، لكنه مايزال يشكل بانوراما هامة للحركة المسرحية المصرية في عام. ويكشف مشهد المهرجانات عن الحاجة لإقامة بعضها خارج القاهرة لخلق حالة ثراء فني خاصة في الفنون غير المتاحة، كالافلام التسجيلية والقصيرة، وآخرى تستلهم التراث الشعبي، وتثبيت أماكن ومواعيد الأحداث الثقافية وتواصلها، وضبط آليات تسويق محترفة تحقق المزيد من الجماهيرية والرواج السياحي، فستظل المهرجانات أعياد للثقافة يمكن ان تصبح ناجحة اقتصاديا وتحقق حالة ثراء فني وتبادل خبرات حقيقي للفنانين.