على رغم من التحرك النشط للوبي الصهيوني في أوروبا وسيطرته على مراكز صنع القرار في كثير من تلك الدول، إلا أنه ظهر واضحًا في الفترة الأخيرة تعاطف الكثير من الدول الأوربية في ما يخص موقفها من القضية الفلسطينية والاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة، على غرار السويد والبرلمان البريطاني والاسباني والأيرلندي ومؤخرًا الفرنسي، وسط انتقاد أمريكا الراعية الأم للصهيونية ومعارضة ألمانيا لهذه الخطوة وتهديد إسرائيل بأعمال عنف في الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية. على الرغم من رمزيّة الخطوة إلاّ أنها مهمة وفعالة نحو قيام دولة فلسطينية مستقلة، تضمن حقوق مواطنيها، فضلًا عن أنها تعكس نفاد الصبر الأوروبي إزاء عملية السلام المتوقفة، إذ تشعر معظم الدول الأوروبية بخيبة أمل متزايدة تجاه انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي الذي يواصل بناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية منذ انهيار آخر جولة من المحادثات التي ترعاها الولاياتالمتحدة في (أبريل) الماضي. وفي نفس الإطار تعتزم بلجيكا والنرويج المضي قدمًا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، بينما ترفض أمريكاوألمانيا هذا الأمر وتراه غير فعال، مشترطين أن توافق إسرائيل على حل الدولتين أولاً، وفقًا لاتفاق بين الجانبين. أهمية الاعتراف الفرنسي بدولة فلسطين تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية لصالح الاعتراف بدولة فلسطين الثلاثاء يمثل ضربة قاسية للوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل في فرنسا، فيما يمثل فشلًا ذريعًا للدبلوماسية الإسرائيلية التي حاولت جاهدة طوال الأيام الماضية أن تقنع أعضاء البرلمان الفرنسي برفض القرار، فيما يمثل مكسبًا كبيرًا للنشطاء الفلسطينيين والمتضامنين معهم في فرنسا الذين يعملون منذ سنوات من أجل ايصال أصواتهم إلى دوائر صنع القرار في باريس والتأثير فيها. وتنطلق أهمية القرار من كونه يتزامن مع المساعي الحثيثة التي تبذلها السلطة الفلسطينية من أجل استصدار قرار دولي عن مجلس الأمن خلال الأسابيع القليلة المقبلة يلزم إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، وهو القرار الذي تعهدت السلطة باللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية في حال تعثر صدوره، لتقوم بمقاضاة إسرائيل على الجرائم التي ارتكبتها في قطاع غزة. «ألمانيا» على خطى أمريكا في دعم سياسات «الاحتلال» من المعروف والمفهوم أن «واشنطن» دولة تؤيد سياسات الاحتلال بسبب النفوذ الإسرائيلي على صناع القرار الأمريكي خاصة بالكونجرس الأمريكي، لكن بات واضحًا دخول برلين في نفس الخط ، فألمانيا تحت قيادة ميركل تعد الأكثر تأييدا لإسرائيل بين كل مستشاري ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث اعترفت المانيا بقيادة ميركل ب«الدولة اليهودية» قبل أن تعترف بها رسميًا حكومة وكنيست الاحتلال. وفي نفس السياق كان من المقرر الأسبوع الماضي أن تعقد جلسة للبرلمان الأوروبي في ستراسبورغ للتصويت على مشروع قرار غير ملزم يدعو كل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف رسميا ب"دولة فلسطين"، لكن "الزعيمة الألمانية أوضحت بأنها لن توافق" ، لتقود معارضتها إلى تأجيل موعد الجلسة إلى الخامس عشر من ديسمبر. تصميم ألمانيا أن تسير عكس عقارب الساعة الأوروبية ليس جديدًا فهي عارضت قبل عامين مشروع قرار الاعتراف بفلسطين دولة غير عضو في المنظمة الأممية، وعلى الرغم من الاعتراف الأوروبي لفلسطين في الفترة الأخيرة وتأييد الأتحاد الأوربي لذلك ، إلا أن للمستشارة الألمانية ميركل رأي مختلف هو في الواقع استنساخ لموقف الولاياتالمتحدة يجعل من الصعب على المراقب، وبخاصة إذا كان فلسطينيا، ألا يتساءل عما إذا كانت ألمانيا قد تحررت فعلا من الاحتلال الأمريكي ومن تبعيتها لواشنطن منذ هزيمتها في الحرب العالمية الثانية أم لا؟. أمريكا هي المتعهد الأمني للمحافظة على التفوق النوعي لسلاح الاحتلال لكن الجديد أن ميركل حولت ألمانيا هي الأخرى المتعهد الأمني للمحافظة على التفوق للسلاح البحري، ففي سبتمبر الماضي تسلمت إسرائيل رابع أكبر غواصة ألمانية على الإطلاق من طراز "دولفين" قادرة على حمل سلاح نوعي وسوف تتسلم غواصتين أخريين قبل نهاية عام 2017.