التقدم التكنولوجي لا يمكن أن يسير بمعزل عن تقدم قانوني يواكبه ويحافظ عليه ويكفل حمايته، ويضع حلولا لما يطرأ من مشكلات تنتج عن استخدامه، وبذلك يصبح أداة للبناء وأساسا لكل تطور، الصراع الإلكتروني تحركه دوافع سياسية، ويتميز بنمطين مختلفين، يتسم أحدهما بالعنف واستخدام قدرات هجومية ودفاعية بهدف إفساد الشبكات والنظام المعلوماتي والبنى التحتية باستخدام أحد الفاعلين داخل مجتمع المعلومات العالمي أسلحة وأدوات إلكترونية، ويتميز النمط الآخر بطبيعته المرنة، ويسير في طريق الصراع والتنافس حول الحصول على المعلومات، والتأثير في المشاعر والأفكار، وشن حرب نفسية وإعلامية. لقد ظهر الارتباط بين الإنترنت والإرهاب بشكل واضح بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وانتقلت المواجهة ضد الإرهاب والإرهابيين من المواجهة المادية المباشرة إلى المواجهة الإلكترونية وتحولت الحروب الواقعية إلى حروب رقمية، وأصبح الإنترنت من أشد الأسلحة فتكاً وهدماً إذا ما تم استُخدم لأغراض سيئة وتحقيق نوايا إرهابية، ويمكن تصنيف الإرهاب الإلكتروني كنوع من أنواع الجرائم الإلكترونية إذا ما اقتُرفت لتحقيق أغراض إرهابية سنوردها لاحقا. الأمثلة على الإرهاب الإلكتروني كثيرة، منها تقديم الوصفات الجاهزة لصناعة القنابل والمفرقعات، ومهاجمة نظم التحكم الوطني في الطيران والقطارات لإحداث تصادم بين الطائرات، ومهاجمة قطارات السكك الحديدية، وتعطيل البنوك وعمليات التحويل المالي، مما يلحِق الأذى بالاستثمار الأجنبي وبالثقة، وإلحاق الأذى بالاقتصاد الوطني بشكل عام، وتعديل كل من ضغط الغاز عن بعد في أنابيب الغاز لتفجيرها، ونظم السلامة في المصانع الكيماوية لإحداث أضرار بالآخرين. من نماذج عمليات الإرهاب الإلكتروني، تمكن بعض القراصنة من اختراق مجموعة "سيتي جروب" الأمريكية، وسرقة عشرات الملايين من الدولارات، مما أدى إلى خسائر فادحة في النظام الاقتصادي الأميركي، وقد تم هذا العمل بالتنسيق بين مجموعة من القراصنة الأمريكيين وعصابة روسية من خلال شبكة الإنترنت. ومن أخطر قضايا القرصنة المعلوماتية في القرن الحالي، ما عرف بإعصار ويكيليكسالذي حدث العام 2010، حيث تم استغلال شبكة الإنترنت العالمية في تسريب وثائق تحوي معلومات سرية للغاية متداولة بين الإدارة الأمريكية وقنصلياتها الخارجية في دول العالم. خصائص الإرهاب الإلكتروني، يمكن تلخيصها في النقاط التالية، لا يترك أي دليل مادي بعد ارتكاب جرائمه وهذا مما يصعب عملية التعقب واكتشاف الجريمة أساسا، سهولة إتلاف الأدلة في حال العثور على أي دليل يمكنه إدانة الجاني، إن مستخدمي هذا النوع من الإرهاب يمتازون بخلفيات وخبرات في استخدام الأجهزة والتقنيات الحديثة، من جهة أخرى نجد نقصا كبيرا في الخبرات لدى الجهات الأمنية المسؤولة عن كشف المخططات الإرهابية الرقمية. يحدث الإرهاب الإلكتروني في بيئة هادئة لا تحتاج إلى القوة والعنف واستعمال الأسلحة وإنما ما يحتاجه هو جهاز حاسب آلي وبعض البرامج وشبكة الإنترنت،عادة ما تتم العمليات الإرهابية بتعاون عدة أشخاص" منظمة إرهابية". قبل أيام قررت الحكومة البريطانية التباحث مع أهم الشركات العاملة على إدارة المحتوى لشبكة الانترنت و ذلك للتوصل إلى اجراءات تعتبر جزءا من جهود مكافحة الإرهاب الإلكتروني. الظروف التي مر بها العالم العربي منذ ثورات الربيع العربي و قبلها غزو العراق، وما أعقب ذلك من استخدام التنظيمات الإرهابية المتطرفة مثل داعش للفضاء الإلكتروني في تجنيد عناصر من مواطني دول غربية، وجهت الانتباه إلى أهمية المجال الإلكتروني في حركة العلاقات الدولية و الأمن والسلم العالميين، خاصة مع دوره فى الحشد والتعبئة و التجنيد و استخدامه في نشر الأفكار المتطرفة. بروز ظاهرة تشكيل التحالفات الدولية العابرة للدول من جماعات الهاكر مثل "انينموس" كجماعة ضغط دولية، أو ببروز دور الفرد فى مواجهة الدول مثل قضية ويكيليكس، وإعادة تشكيل الدبلوماسية الدولية، هي إحدى نتائج الحرب السايبرية أو حرب الفضاء الإليكتروني، فكل حرب تقود إلى ظهور وسائل مضادة ومثل هذه التحالفات واحدة منها. هنالك نمطا آخر للصراع هو الحرب الساخنة والصراعات عالية الشدة من شن هجمات الإليكترونية ضد مواقع دولة معينة، أو قصف مادى مباشر للكابلات وخطوط الإتصال، كما حدث فى الحرب بين يوغوسلافيا وحلف الناتو فى عام1999، والحرب الأمريكية على العراق في2003، والحرب بين إسرائيل وحزب الله في 2006، والحرب الجورجية الروسية عام 2008. موقف القانون الدولي من استخدام الإرهاب الإلكتروني فى الصراع الدولى، يثير تساؤلات هامة تتعلق بمدى اعتبار العدوان والهجمات الإليكترونية استخداما للقوة بالمعنى الذى ورد فى المبادئ العامة التى أقرها القانون الدولي، أن آثار استخدام الأسلحة والهجمات الإلكترونية أكثر خطرا من الأسلحة الأخرى التقليدية خاصة تميزها بعشوائية الاستخدام وانتهاكها لمبدأ التمييز بين المقاتلين والمدنيين وما بين الأهداف العسكرية والمنشآت المدنية وانتهاك عملية استخدام تلك الأسلحة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، لتنص على حق أطراف أى نزاع فى اختيار أساليب ووسائل القتال ليس حقا "لا تقيده قيود"، وأن هناك حدود حتى فى سبيل استخدام تلك الأسلحة بحجة الدفاع الشرعى عن النفس، مع اتساع الفضاء الإلكترونى ليشمل العديد من المصالح التى تهم المجتمع الدولي، ومن ثم يصعب عمليا استهداف أى دولة لأن عملية الهجوم ستصيب دول أخرى، وستؤدى إلى عسكرة الفضاء الإليكترونى والذى هو مرفق دولي وتراث مشترك للإنسانية. دور المجتمع الدولي في دعم الاستخدام السلمي للفضاء الإلكتروني، فغياب اتفاقية واضحة على المستوى الدولى للتعامل مع ظاهرة الفضاء الإلكترونى وتنظيم استخدامها، وتوضيح الحقوق والواجبات قد يجعل الدول لا تشعر بأي إلزام للتعاون مع غيرها، ومن ثم فإن عدم التعاون يشكل جزءا مهما من تعقيد المشكلة، كذلك يجب حث و دعم جهود كافة الفاعلين فى مجتمع المعلومات العالمي من أجل الحفاظ على الطابع السلمى للفضاء الإليكتروني، وهو ما يستلزم تعاون الدول والقطاع الخاص والمجتمع المدنى والأفراد من أجل بيئة آمنة وموثوقة فى الفضاء الإلكتروني.