فيما كانت المواجهات تشتعل في فلسطين بين قوات الاحتلال والشعب الفلسطيني، وفي الوقت الذي تدرس فيه السلطات الإسرائيلية تنفيذ خطوات تصعيدية من خلال مصادرة الأراضي ومواصلة الاستيطان والاعتقالات ومحاولة تهويد الأقصى واغتيال رموز المقاومة الفلسطينية، قدمت حركتي "فتح" و"حماس" هدية للاحتلال لم يكن يحلم بها، من خلال الخلافات الدائرة بينهما والتي أدت إلى شق الصف الفلسطيني مرة أخرى. لم يهنأ الشعب الفلسطيني باتفاق المصالحة ولم تأت الحكومة الفلسطينية الجديدة بثمرة تشكيلها، بعدّ مخاض عسير، في 2 يونيو الماضي، حتى تدخلت أيادي محترفة عملت بوعي وقرار، وتحمل رؤيا وأهداف وأجندة سياسية خبيثة ومشبوهة، لتفسد هذه المصالحة وتجعل الحركتين تنهمكان في تبادل الاتهامات، لتعودا إلى مرحلة التراشق الإعلامي والسياسي التي كانت سائدة قبل اتفاق المصالحة إلى الواجهة مرة أخرى، ويشتغل الكيان الصهيوني ذلك ليواصل تصعيداته وانتهاكاته. لم تلبث الحكومة الجديدة أن تشكلت حتى طفى على الوجه مشكلة "أزمة الرواتب" في قطاع غزة، مما تسبب في تجاذب حادّ بين حركتي "فتح" و"حماس"، وتجددت الأجواء المعكرّة لمهام الحكومة، في الإعداد لإجراء الانتخابات وإعادة إعمار قطاع غزة وتوفير احتياجات الشعب الفلسطيني، وذلك بفعل حادثة المستوطنين الثلاثة المفقودين، والتي أنتجت تصعيداً عدوانياً إسرائيلياً عاتياً، ورغم عدم إعلان "حماس" مسئوليتها عن الحادثة، إلا أن ذلك ولّد اتهامات متبادلة بين الحركتين، حيث اتهمت "فتح" حركة "حماس" بالتسبب في إيذاء الشعب الفلسطيني، بينما اعتبرت "حماس" أن ما حدث من تصعيد إسرائيلي نتاج التنسيق الأمني بين الأجهزة التابعة للسلطة والاحتلال. ويدخل في هذا السياق تباين منظور الحركتين حيال تفسير بنود اتفاق المصالحة، والمغزى المستفاد من مضمونه، فبينما ترى "فتح" أن حكومة الوفاق الوطني ستكون "ملتزمة بالتزامات السلطة والاتفاقيات الموقعّة وبالبرنامج السياسي الذي أقرته مؤسسات منظمة التحرير"، ما يعني الالتزامات المبرمة مع الكيان الإسرائيلي والاعتراف به، فإن ذلك الأمر "مرفوض كلياً" بالنسبة إلى "حماس"، التي تجدّ في الحكومة "مرحلة انتقالية لأداء مهام معينة وفق سقف زمني متفق عليه مسبقاً". وجاءت أخيرا التفجيرات التي طالت منازل بعض القادة في حركة "فتح"، ليخرج الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" بخطاب خلال المهرجان المركزي لإحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس "ياسر عرفات"، كانت غالبية فقراته مخصصة للهجوم على حركة "حماس"، بدءا من عملية الخليل الأخيرة، مرورا بالتفجيرات التي استهدفت كوادر "فتح" مؤخرا، حيث اتهم "عباس" حركة حماس بتدمير المصالحة الوطنية وبالمسئولية عن عمليات التفجير، وقال "يسألون عن الذي ارتكب جريمة تفجير منازل قادة فتح في غزة، الذي ارتكبها هم قيادة حركة حماس وهي المسئولة عن ذلك ولا أريد تحقيقا منهم"، كما أكد أن "تصرفات حماس لا توحي برغبتها في الوحدة والمصالحة، حماس اختطفت 3 مستوطنين في الضفة الغربية من أجل تخريب اتفاق المصالحة. فيما ردت حركة "حماس" واصفة خطاب "عباس" بأنه "ممتلئ بالأكاذيب والمغالطات والتضليل والشتائم ويدل على فئويته وحزبيته"، وقال القيادي في حماس "فوزي برهوم" إن خطاب "عباس"، حمل تهرباً واضحاً من مسئولياته تجاه غزة وحصارها، مضيفا أن "عباس يبرر تعطيله للإعمار بفتح جبهة مواجهة وافتعال أزمة مع حماس لا تخدم سوى الاحتلال الإسرائيلي"، ومن جهته قال المتحدث باسم حركة حماس "مشير المصري"، أن حماس قلقة على المصالحة بعد المغالطات التي طرحها "عباس" ضد الحركة. إذا نظرت كلتا الحركتين إلى المشهد بعيداً عن التوترات والاتهامات، فسوف تجد أن هناك مجموعة من السيناريوهات المختلفة التي تُحمل جهات أخرى مسئولية التفجيرات، لكن أكثرهم قرباً من الواقع هو أن المستفيد الوحيد من هذا الانقسام الكيان الصهيوني، فهو المتهم والمستفيد الأول مما يحدث، خاصة في إطار تهربه من أي استحقاق في العملية التفاوضية، كما أنه مستفيد من زاوية تعطيل وإعاقة الإعمار وتكبيله باشتراطاته وانشغال الحركتين بالصراعات، واستمرار الانقسام، وإبقاء الحصار وتعطيل حكومة الوفاق الوطني، وكذلك توتير وتسميم العلاقة المصرية- الفلسطينية لحد القطيعة والحصار. المؤامرة على المشروع الوطني الفلسطيني تكبر يوماً بعد يوم، فانهيار المصالحة بين حركتي "فتح" و"حماس" بالضرورة سوف يؤدي إلى تعطيل عمل حكومة الوفاق، وبالتالي إلى تعطيل المفاوضات الفلسطينية- الإسرائيلية الغير مباشرة التي ترعاها مصر، ليستفيد الاحتلال من جديد ويستكمل مشروع تهويده للمقدسات والأراضي الفلسطينية. في هذه الأجواء ذكرت مصادر في غزة أن عدة فصائل وتنظيمات فلسطينية دخلت على خط الوساطة لوقف التصعيد القائم وحالة التشنج في العلاقات بين حركتي فتح وحماس، والذي بدأ يأخذ منحى خطيرا، وتعد أبرز الوساطات القائمة بين فتح وحماس، تلك التي تقوم بها حركة "الجهاد الإسلامي"، التي أشارت إلى أن القوى الوطنية والإسلامية تتابع من خلال لجنة سداسية التحقيق الذي تجريه أجهزة الأمن في غزة، لكشف مرتكبي حادثة تفجير منازل قادة فتح.